كانت العرب تنسأ في الشهور ، فترد المحرم منها ـ وهي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر ـ حلالا ، والحلال منها حراما ، فجاء محمد صلىاللهعليهوسلم فرد الزمان إلى أصله الذي حكم الله به عند خلقه ، فعين المحرم من الشهور على حد ما خلقها الله عليه ، ولهذا قال : إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلقه الله.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ) (٣٨)
متاع الدنيا قليل ، فما من قبيل ولا جيل ، إلا وهو مملوك للقطمير والنقير والفتيل ، فالكل تائه ، ولهذا قنعوا بالتافه ، فلا يرضى بالحقير إلا من لا يعرف قبيلا من دبير.
(إِلاَّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٣٩) إِلاَّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيا وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (٤٠)
(إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا) حكاية اللفظ بعينه ، والمعية هنا معية اختصاص ، لا معية عامة ، مثل قوله تعالى للعموم : وهو معكم أينما كنتم ، ومن هنا تعرف مرتبة محمد صلىاللهعليهوسلم ، وعلوها على رتبة غيره من الرسل ، فإن الله أخبر عن محمد صلىاللهعليهوسلم في حال خوف الصديق عليه وعلى نفسه فقال لصاحبه يؤمنه ويفرحه ، إذ هما في الغار ، وهو كنف الحق عليهما (لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا) فقام النبي صلىاللهعليهوسلم في هذا الإخبار مقام الحق في معيته لموسى