بل له ما يمتنّ به عليه سيده من النعم التي هي أفضل من الأجور لا على جهة الأجر ، ثم انّ الله تعالى ندبه إلى عبادته في أمور ليست عليه فرضا ، فعلى تلك الأعمال المندوب إليها فرضت الأجور ، فإن تقرب العبد بها إلى سيده أعطاه إجارته عليها ، وإن لم يتقرب لم يطلب بها ، ولا عوتب عليها فمن هنا كان العبد حكمه حكم الأجنبي في الإجارة ، فالفرض له الجزاء الذي يقابله ، فإنه العهد الذي بين الله وعباده ، والنوافل لها الأجور ، والعلة في ذلك أن المتنفل عبد اختيار كالأجير ، فإذا اختار الإنسان أن يكون عبدا لله ، لا عبد هواه فقد آثر الله على هواه ، وهو في الفرائض عبد اضطرار ، لا عبد اختيار فتلك العبودية أوجبت عليه خدمة سيده ، فيما افترضه عليه ، فبين الإنسان في عبوديته الاضطرارية ، وبين عبوديته الاختيارية ما بين الأجير والعبد المملوك ، فالعبد الأصلي ما له على سيده استحقاق إلا ما لا بد منه ، يأكل من سيده ، ويلبس من سيده ، ويقوم بواجبات مقامه ، فلا يزال في دار سيده ليلا ونهارا لا يبرح إلا إذا وجهه في شغله ، فهو في الدنيا مع الله وفي القيامة مع الله وفي الجنة مع الله ، فإنها جميعها ملك سيده ، فيتصرف فيها تصرف الملّاك ، والأجير ما له سوى ما عيّن له من الأجرة ، منها نفقته وكسوته ، وما له دخول على حرم سيده ومؤجره ولا الاطلاع على أسراره ، ولا تصرف في ملكه إلا بقدر ما استؤجر عليه ، فإذا انقضت مدة إجارته ، وأخذ أجرته فارق مؤجره ، واشتغل بأهله وليس له من هذا الوجه حقيقة ولا نسبة تطلب من استأجره ، إلا أنّ يمنّ عليه رب المال بأن يبعث خلفه ، ويجالسه ويخلع عليه ، فذلك من باب المنة ، وقد ارتفعت عنه في الدار الآخرة عبودية الاختيار ، فمن أي مقام قالت الأنبياء ـ مع كونهم عبيدا مخلصين له لم يملكهم هوى أنفسهم ولا أحد من خلق الله ومع هذا قالوا ـ (إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللهِ)؟ فيعلم أن ذلك راجع إلى دخولهم تحت حكم الأسماء الإلهية ، فمن هناك وقعت الإجارة ، فهم في الاضطرار والحقيقة عبيد الذات ، وهم لها ملك ، وصارت الأسماء الإلهية تطلبهم لظهور آثارها فيهم ، فلهم الاختيار في الدخول تحت أي اسم إلهي شاؤوا ، وقد علمت الأسماء الإلهية ذلك ، فعينت لهم الأسماء الإلهية الأجور ، يطلب كل اسم إلهي من هذا العبد الذاتي أن يؤثره على غيره من الأسماء الإلهية بخدمته ، فيقول له : ادخل تحت أمري ، وأنا أعطيك كذا وكذا ، فلا يزال في خدمة ذلك الاسم حتى يناديه السيد من حيث عبودية الذات ، فيترك كل اسم إلهي ، ويقوم لدعوة