من تلك الألفاظ التي حواها الكتاب ، والتعريف من المعاني المخلصة عن المواد ، فأعطاهم الله العلم غير مشوب قال تعالى : (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) يعلمهم الحق ما يؤول إليه هذا اللفظ المنزل المرقوم وما أودع فيه من المعاني من غير فكر فيه إذ الفكر في نفسه غير معصوم من الغلط في حق كل واحد ـ الوجه الثاني ـ (لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ) لأعطاهم من العلوم الخارجة عن الكسب ، وهي علم الوهب اللدني (وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ) من العلوم الداخلة تحت الكسب الذي يناله أهل التقوى من هذه الأمة ، فهي معارف مكتسبة لا موهوبة ، من كسبهم واجتهادهم ـ الوجه الثالث ـ (لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ) الضمير يعود على الذين أكلوا من فوقهم ، وهم الذين ذكر الله لو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم فأكلوا من فوقهم ، وهو علم الوهب لا من جهة الكسب ، وهو العلم المذكور في الوجه الثاني بقسميه ثم قال (وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ) فمن تحت أرجل هؤلاء أمم منهم أمة مقتصدة ، وهم أهل الكسب ، وهم الذين يتأولون كتاب الله ولا يقيمونه بالعمل الذي نزل إليه ، ولا يتأدبون في أخذه ، وهم على قسمين : القليل منهم المقتصد في ذلك وهو الذي قارب الحق ، وقد يصيب الحق فيما تأوله بحكم الموافقة ، لا بحكم القطع ، فإنه ما يعلم مراد الله فيما أنزله على التعيين إلا بطريق الوهب ، وهو الإخبار الإلهي الذي يخاطب به الحق قلب العبد في سره بينه وبينه. ومن لم يقتصد في ذلك وتعمق في التأويل بحيث أنه لم يترك مناسبة بين اللفظ المنزل والمعنى ، أو قرر اللفظ على طريق التشبيه ، ولم يرد علم ذلك إلى الله فيه ، وهم الذين قال الله فيهم في الآية عينها (وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ ساءَ ما يَعْمَلُونَ) وأي سوء أعظم من هذا ، وهؤلاء هم القسم الثاني. فالتقدير في الآية على التفسير (وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ) أمم (مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ ساءَ ما يَعْمَلُونَ) ولهذا قال لنبيه : (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) وقال : (ما يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ) فأشرف العلوم ما ناله العبد من طريق الوهب ـ الوجه الرابع ـ (لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ) يريد استواءه على العرش والسماء بل كل ما علا (وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ) يريد نسبة التحت إلى الله من قوله صلىاللهعليهوسلم «لو دليتم بحبل لهبط على الله» مع أنه ليس كمثله شيء فالنسب إليه على السواء فلله الفوق والتحت.