في الحرام ما نهانا عنه ، فإذا ما هو الحرام رزق الله؟ وإنما هو رزق ، ورزق الله هو الحلال ، وهو بقية الله التي أبقاها لنا بعد وقوع التحجير وتحريم بعض الأرزاق علينا ، ولتعلم من جهة الحقيقة أن الخطاب ليس متعلقه إلا فعل المكلف لا عين الشيء الممنوع التصرف فيه ، فالكل رزق الله ، والمتناول هو المحجور عليه لا المتناول بفتح الواو ، فإن الرزاق لا يعطيك إلا رزقك ، وما يعطي الرزاق لا يطعن فيه ، فلهذا علّق الذم بفعل المكلف لا بالعين التي حجّر عليه تناولها ، فإن المالك لها لم يحجر عليه تناولها والحرام لا يملك ، وهذه مسألة طال الخبط فيها بين العلماء ، وأما قوله (فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالاً طَيِّباً) من العامل في الحال؟ فظاهر الشرع يعطي أن العامل رزقكم ، فإن من هنا في قوله (فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالاً طَيِّباً) للتبيين لا للتبعيض ، فإنه لا فائدة للتبعيض ، فإن التبعيض محقق مدرك ببديهة العقل ، لأنه ليس في الوسع العادي أكل الرزق كله ، وإذا كانت للتبيين وهي متعلقة بكلوا ، فبيّن أن رزق الله هو الحلال الطيب ، فإن أكل ما حرّم عليه فما أكل رزق الله ، فتدبر وانظر ما به حياتك ، فذلك رزقك ولا بد ، ولا يصح فيه تحجير ، وسواء كان في ملك الغير أو لم يكن ، فإن المضطر لا حجر عليه ، وما عدا المضطر فما تناول الرزق لبقاء الحياة عليه ، وإنما تناوله للنعيم به ، وليس الرزق إلا ما تبقى به حياته عليه ، وهذا لا يمكن ردّه من أحد من علماء الشريعة ، فإن الله يقول : (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ) بعد التحجير ، وقال : (إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ) وذلك هو الرزق الذي نحن بصدده ، وهو الذي يعطيه الرزاق.
(قالُوا يا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا ما نَشؤُا إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (٨٧) قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَما تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) (٨٨)