إلى تصفية القلب وتفريغه والرياضات والمجاهدات ، وهذا الضرب أيضا من التوفيق فيه عام وخاص : فالعام هو الذي يثمر لك جميع الأخلاق العلوية والأوصاف الربانية القدسية ، والخاص هو الذي يثمر لك أسرار الخلق ومعاني التحقيق ، وكلاهما على ضربين : عام وخاص ، فالعام ما أعطاك جميع ما تتخلق به وأسراره ، والخاص ما أعطاك الفناء عن ملاحظة الفناء ، فكل توفيق يستصحب العبد في حركاته وسكناته الظاهرة والباطنة هو توفيق العارفين الوارثين العالمين ، وكل توفيق يصحب العبد في بعضها فهو منسوب لذلك البعض ، ومضاف لما يعطيه المقام في مراتب الوجود ، فيقال : هذا توفيق العارفين والزاهدين والعابدين وغيرهم من أصحاب المقامات وأرباب السلوك ، والتوفيق عند المحققين على نوعين : توفيق أوجده الحق سبحانه فيك منك ، وتوفيق أوجده فيك على يد غيرك ، فالتوفيق الذي فيك من غيرك كالإسلام الذي أبقاه عليك أبواك وربياك عليه ، فكل مولود يولد على الفطرة وأبواه هما اللذان يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كما جاء في الحديث ، أو كشخص قيّضه الله لك على مدرجتك من غير قصد منك إليه فوعظك بموعظة زجرك بها فانتبهت من سنة الغفلة ، فقذف الله سبحانه لك عند انتباهك نور التوفيق في قلبك فقبلتها ونظرت في تخليص نفسك فقادك إلى الانتظام في شمل السعداء ، والتوفيق الذي فيك منك هو أن ترزق النظر ابتداء في عيوبك وذم ما أنت عليه من الأفعال القبيحة وتمقيتك نفسك وتبغيض حالك لك ، فإذا تقوى عليك هذا الخاطر وتأيد ، نهض بك في طريق النجاة وسارع بك إلى الخيرات على قدر ما قدر لك أزلا وقسم لك في شربك ، وأول مقامات التوفيق الاختصاصي اشتغالك بالعلم المشروع الذي ندبك الشارع صلىاللهعليهوسلم إلى الاشتغال بتحصيله ، وآخرها حيث يقف بك فإن تممت لك المقامات حصلت في التوحيد الموحد نفسه بنفسه الذي لا يصح معه معقول فلا حياة مع الجهل ولا مقام ، فالتوفيق إذا صح ، وتصحيحه بتحصيل العلم ، فإذا حصل له وصح توفيقه أنتج الإنابة والإنابة منتجة للتوبة ، والتوبة تنتج الحزن والحزن ينتج الخوف ، والخوف ينتج الاستيحاش من الخلق ، والاستيحاش ينتج الخلوة ، والخلوة تنتج الفكرة ، والفكرة تنتج الحضور ، والحضور ينتج المراقبة ، والمراقبة تنتج الحياء ، والحياء ينتج الأدب ، والأدب ينتج مراعاة الحدود ، ومراعاة الحدود تنتج القرب ، والقرب ينتج الوصال ، والوصال ينتج الأنس ، والأنس ينتج الإدلال ، والإدلال ينتج السؤال ، والسؤال ينتج الإجابة ، ولا يصح