معلما. فكل رسول معلم وما كل معلم رسول ـ الوجه الثاني ـ لما كان الرسول صلىاللهعليهوسلم بعث رحمة ، ورأى الكثير لم تصبه هذه الرحمة ، وأن علة ذلك إنما كان تأويلهم بالوجهين من التشبيه ، أو البعد عن مدلول اللفظ بالكلية ، تحيّر في التبليغ ، وتوقف حتى يرى هل يوجب ذلك عليه ربه أم لا! فأنزل الله تعالى (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) فعلم الرسول أن المراد منه التبليغ لا غير ، فبلّغ صلىاللهعليهوسلم وما أخفى مما أمر بتبليغه شيئا أصلا ، فإنه معصوم محفوظ قطعا في التبليغ عن ربه ما أمر بتبليغه ، وما خصّ به فهو على ما يقتضيه نظره. فوظيفة الرسل والورثة من العلماء إنما هو التبليغ بالبيان والإفصاح لا غير ، وجزاؤهم جزاء من أعطى ووهب ، وذلك بالنصيحة والتبليغ ، ليس بيده من الأمر غير هذا فلما بلّغ قيل له : «ما عليك إلا البلاغ» (لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ) (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) فإن ذلك خاص بالله تعالى (وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ). فإن حقيقة الرسالة إبلاغ كلام من متكلم إلى سامع ، وهو علم يوصله إلى المرسل إليه. فأوجب عليه البلاغ (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم قبل أن يعرف بعصمته من الناس إذا نزل منزلا يقول من يحرسنا الليلة؟ مع كونه يعلم أن الله على كل شيء حفيظ ، ولا يعلم حافظا سواه ، ويعلم بأن المقدور كائن ، والحارس ليس بمانع ما قدر ولا صائن ، لكن طلب المعبود بذل المجهود وهو يفعل ما يشاء وهذا من الأمور التي شاء ، فإن الله مع الأنبياء بتأييد الدعوى ، لا بالحفظ والعصمة ، إلا إن أخبر بذلك في حق نبي معين فإن الله قد عرفنا أن الأنبياء قتلتهم أممهم وما عصموا ولا حفظوا ، فلما نزلت (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) أقام العصمة مقام الحرس ، ولم يجنح إلى العسس.
(قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (٦٨) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصارى مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً