والحاكم الآخر الاسم الباطن بلا مؤازر ، ولما اشتق الله تعالى لهذه الصلاة أسماء من أوقاتها لا من ساعاتها ، علمنا أن ذلك لسرّ أبداه ، وخير إلينا أسداه ، فصلاة الظهر في العقل لظهوره بالعلم ، وفي الحس لظهوره بالفعل في خلق الظهيرة والحكم ، وصلاة العصر في العقل لضمه إياه في عقل معرفته عن النقل ، وفي الحسّ لضمه إياه في فروع الأحكام إلى النقل عن العقل ، بضم الشمس إلى الغيب لوجود الفصل والفضل ، وصلاة المغرب في العقل لاستتاره بالأدلة الفكرية ، وفي الحس لاستتاره عن الكيفية ، وصلاة العشاء في العقل لاستسلامه إلى سلطان السمع ، فلاحت له بارقة من بوارق الجمع ، فغشيت عين بصيرته لشدة ظلام الطبع ، وفي الحس لاستتار المبصرات بجلابيب الظلمات ، فكأن العين غشيت عن إدراكها في أصل الوضع ، وصلاة الفجر في العقل لانفجار بحار الأسرار ، وفي الحسّ لانفجار بحار الأبصار. واعلم أن الصلوات المفروضة كلها نهارية ، إما بالشمس وإما بآثارها ، إلا العشاء الأخيرة فإنّها مشتركة بين الليل وبين النهار أنوارها ، وذلك لسرّ غريب ، ومعنى عجيب ، وهو أن الصلاة تكليف ، ففيها مشقة وتعنيف ، هما صفتان للنهار دون الليل عقلا وإحساسا ، فجعل النهار معاشا وجعل النوم سباتا ، حين جعل الليل لباسا ، وانظر ما أوزن هذا التعريف بحكمة التكليف ، ثم اعلم أن الصلاة البرزخية ، وهي المغرب فرضها سبحانه بين جهر في شفع ، وسرّ في وتر ، وذلك في العقل لأن البرزخ في الصلاة أمر معقول بين عبد ورب علي قدر ، لأن العبد بالليل منوط ، والرب بضوء شمس الله مربوط ، وفي الحسّ بين كشف وستر ، وأن الصلاة النهارية مفروضة بين شفع وسرّ ، فالشفع للخلق ، والسر للوتر ، فإن الخلق إذا ظهر احتجب الحق واستتر ، فلهذا شفع الظهر والعصر ، وبالقراءة أسر ، وجهر في كل صلاة الفجر لقرب طلوع الشمس.
(فَلَوْ لا كانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا ما أُتْرِفُوا فِيهِ وَكانُوا مُجْرِمِينَ (١١٦) وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ (١١٧)