من العلوم والأسرار مما عدا التحليل والتحريم فلا تحجير عليه فيما يأخذه منه ، لا في العقائد ولا في غيرها ، وذلك بخلاف حكمه لو رآه صلىاللهعليهوسلم على صورته ، فيلزمه الأخذ به ولا يلزم غير ذلك ، فإن الله يقول : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) هذا هو الفرقان بين الأمرين ، فقد يرى رسول الله صلىاللهعليهوسلم في الرؤيا أو في الكشف ، فيصحح من الأخبار ما ضعف بالنقل ، وقد ينفي من الأخبار ما ثبت عندنا بالنقل ، كما ذكر مسلم في صدر كتابه عن شخص أنه رأى رسول الله صلىاللهعليهوسلم في المنام ، فعرض عليه ألف حديث كان في حفظه ، فأثبت صلىاللهعليهوسلم من الألف ستة أحاديث وأنكر صلىاللهعليهوسلم ما بقي ، فمن رآه صلىاللهعليهوسلم في المنام فقد رآه في اليقظة ما لم تتغير عليه الصورة ، فإن الشيطان لا يتمثل على صورته أصلا ، فهو معصوم الصورة حيا وميتا ، فمن رآه فقد رآه في أيّ صورة رآه.
(وَكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلى آلِ يَعْقُوبَ كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (٦)
اعلم أنه كل ما يتخيل يعبر كالرؤيا ، كذلك يعبر كل كلام ويتأول ، فما في الكون كلام لا يتأول ولذلك قال تعالى : (وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ) وكل كلام فإنه حادث عند السامع ، فمن التأويل ما يكون إصابة لما أراده المتكلم بحديثه ، ومن التأويل ما يكون خطأ عن مراد المتكلم ، فقول يعقوب عليهالسلام لابنه يوسف عليهالسلام : (وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ) يعني الإصابة في التأويل بما يريد المتكلم.
(لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آياتٌ لِلسَّائِلِينَ (٧) إِذْ قالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٨) اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صالِحِينَ (٩) قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ