المذكر مثل هذا في مجلسه مقتته الملائكة ونفروا عنه ، ومقته الله ، ووجد الذي في دينه نقص رخصة يلجأ إليها في معصيته ، ويقول : إذا كانت الأنبياء قد وقعت في مثل هذا ، فمن أكون أنا؟ وحاشا والله الأنبياء مما نسبت إليهم اليهود لعنهم الله ، فينبغي للمذكر أن يحترم جلساءه ولا يتعدى ذكر تعظيم الله بما ينبغي لجلاله ، ويرغب في الجنة ويحذر من النار وأهوال الموقف ، والوقوف بين يدي الله ، من أجل من عنده من البطالين المفرطين من البشر ، فهؤلاء المذكرون الذين يرددون افتراءات اليهود نقلة عن اليهود لا عن كلام الله لما غلب عليهم من الجهل ، فواجب على المذكر إقامة حرمة الأنبياء عليهمالسلام والحياء من الله أن لا يقلد اليهود فيما قالوا في حق الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من المثالب ونقلة المفسرين خذلهم الله ، ومنها مراعاة من يحضر مجلسه من الملائكة السياحين ، فمن يراعي هذه الأمور ينبغي أن يذكر الناس ، ويكون مجلسه رحمة بالحاضرين ومنفعة.
(وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ أَمِينٌ) (٥٤)
فأعطته المملكة مقاليدها ، وملكته الخلافة أزمتها ، ووهبته مطاريفها ومتاليدها ، فلم يخفر عهدها وذمتها ، ولم يزل يسوس مملكته بحسن النظر ، ويقيمها بسديد الفكر ، حتى قامت الدولة على ساقها ، وعمتها خيراته على بعد أقطارها وآفاقها ، وتجلى شمسا باهرة بين أزرتها وطوقها ، وحيد دهره ، وفريد عصره ، فقال :
(قالَ اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) (٥٥)
قوله عليهالسلام (إِنِّي حَفِيظٌ) والحفظ أمانة ، ولو همّ بسوء لم يكن أمينا ، ولو فعل لم يكن حفيظا ، وطلب يوسف عليهالسلام من الملك صاحب مصر أن يجعله على خزائن الأرض لأنه حفيظ عليم ، ليفتقر الكل إليه فتصح سيادته عليهم ، ولهذا أخبر بالصفة التي يستحق من قامت به هذا المقام فقال : (إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) حفيظ عليها فلا نخرج منها إلا