والترتيب أعطى العالم العلم بأن الأمر كذا هو ، فلا يوجد إلا بحسب ما هو عليه في الثبوت ، فالعارف يعلم بالجملة أن الظاهر في الوجود والواقع إنما هو في قبضة الحكمة الإلهية ، فيزول عنه التسخط والضجر ، ويقوم به التسليم والتفويض إلى الله في جميع الأمور ، فإن الله ما رجح إلا الواقع ، فأوقع ما أوقع حكمة منه ، وأمسك ما أمسك حكمة منه ، وهو الحكيم العليم ، فالعارف عنده الحكيم يتقدم العليم ، والعامي يقدم العليم ثم الحكيم ، وقد ورد الأمران معا ، فالحكيم خصوص والعليم عموم ، ولذلك ما كل عليم حكيم ، وكل حكيم عليم ، فالحكمة الخير الكثير.
(رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) (١٠١)
ليس فوق الصلاح مرتبة ، وهي مطلب رسل الله من الله ، وهم أعلم الخلق بالله.
(ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ (١٠٢) وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (١٠٣) وَما تَسْئَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ) (١٠٤)
العالمون أصحاب العلامات والدلائل.
(وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْها وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ) (١٠٥)
الآية العلامة ، غير أن الآيات على قسمين معتادة وغير معتادة ، فأرباب الفكر والمستبصرون الموفقون هي عندهم سواء ، يتخذونها أدلة ، وما عدا هؤلاء فلا ينظرون إلا في الآيات غير المعتادة ، فيحصل لهم استشعار الخوف فيردهم ذلك القدر إلى الله ، ثم إن الذين يتخذون غير المعتادة آية منهم من يخلصها دليلا على الله ، ومنهم من يشرك ، لذلك قال تعالى :