يدخرونه خوف الجدب فلا يجدون ما يتقوتون به كالنمل ، فإن كان ذلك عن نظر فهم يشبهون أهل النظر ، فأين عدم العقل الذي ينسب إليهم؟ وإن كان ذلك علما ضروريا فقد أشبهونا فيما لا ندركه إلا بالضرورة ، فلا فرق بيننا وبينهم لو رفع الله عن أعيننا غطاء العمى ، كما رفعه الله عن أبصار أهل الشهود وبصائر أهل الإيمان ، فإن البهائم تعلم من الإنسان ، ومن أمر الدار الآخرة ، ومن الحقائق التي الوجود عليها ، ما يجهله بعض الناس ولا يعلمه. وجميع ما سوى الثقلين وبعض الناس والجان على بينة من ربهم في أمرهم ، من حيوان ونبات وجماد وملك وروح (إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ) أي ما دمتم حرما في المكان الحلال والحرام وسكانا في الحرم وإن كنتم حلالا أو حراما فحيث ما كانت الحرمة امتنع الصيد (إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ ما يُرِيدُ).
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ وَلا الشَّهْرَ الْحَرامَ وَلا الْهَدْيَ وَلا الْقَلائِدَ وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْواناً وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) (٢)
(وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ) أي قاصدين البيت الحرام (وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ) : وهو الإحسان بالإنعام (وَالتَّقْوى) : أي اجعلوا ذلك وقاية ، فإنه من أعان شخصا على عمل كان مشاركا له فيما يؤدي إليه ذلك العمل من الخير ، لا مشاركة توجب نقصا بل هو على التمام لكل واحد من الشريكين ، كما جاء في الحديث من سن سنة حسنة «الحديث» ولما كان التعاون في فطرة الإنسان خاطبهم الله تعالى بحكم التعاون فقال : (وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى) فيكون ما فطروا عليه عبادة ، فإنهم قد يتعاونون بتلك الحقيقة على الإثم والعدوان فقال : (وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ ، وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ).