الآخرة بانتقال الإنسان إليها وخربت الدنيا بانتقاله عنها ، علمنا قطعا أن الإنسان هو العين المقصودة لله من العالم ، وأنه الخليفة حقا ، وأنه محل ظهور الأسماء الإلهية ، فالإنسان الكامل عمد السماء الذي يمسك الله بوجوده السماء أن تقع على الأرض ، فإذا زال الإنسان وانتقل إلى برزخ دار الحيوان مارت قبة السماء وانشقت وهوت ، فكانت شعلة نار سيال كالدهان ، فالعمد لقبة السماء المعنى الماسك ، فإن لم ترد أن يكون الإنسان فاجعله قدرة المالك. (ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى) فهو يثبت إلى وقت معين ثم يزول حكمه لا عينه ، فإذا بلغ جريانه الأجل زال جريانه وإن بقي عينه ، ولما كان الاسم الرب من خصائصه الإصلاح ـ فقد حد الاسم الرب الحدود ووضع المراسم لإصلاح المملكة وفعل ما تقتضيه المصلحة في بقاء أعيان الممكنات ـ اتخذ وزيرين يعينانه على ما أمر به ، الوزير الواحد الاسم المدبر ، والوزير الآخر المفصل ، فكان أصل وضع الشريعة في العالم وسببها طلب صلاح العالم ومعرفة ما جهل من الله مما لا يقبله العقل ، أي لا يستقل بإدراكه العقل من حيث نظره ، فنزلت بهذه المعرفة الكتب المنزلة ونطقت بها ألسنة الرسل والأنبياء عليهمالسلام ، لذلك قال تعالى (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ) عامة (يُفَصِّلُ الْآياتِ) بالكلام (لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ) ـ الوجه الثاني ـ (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآياتِ) اعلم أن حكم المدبر في الأمور إحكامها في موضع الجمع والشهود وإعطاؤها ما تستحقه ، وهذا كله قبل وجودها في أعيانها وهي موجودة له ، فإذا أحكمها كما ذكرناه أخذها المفصل وهذا الاسم مخصوص بالمراتب ، فأنزل كل كون وأمر في مرتبته ومنزلته ، فالمعنى المراد من قوله تعالى (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآياتِ) هو التقدير والإيجاد فالتدبير للتقدير ، والتفصيل للإيجاد من فصلت الشيء عن الشيء إذا قطعته منه وفصلت بينه وبينه حتى تميز ، فإن كان الفصل عن تقدير فهو على صورته وشكله ، وإن كان عن غير تقدير فقد لا يكون على صورته وإن أشبهه في أمر ما ـ الوجه الثالث ـ قوله تعالى (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ) يعني أن الحق على الحقيقة هو مدبر العالم ، وما وصف الحق نفسه بأنه يدبر الأمر إلا أن يعرفنا أنه ما عمل شيئا إلا ما تقتضيه حكمة الوجود وأنه أنزله موضعه الذي لو لم ينزله فيه لم يوف الحكمة حقها ، وهو الذي أعطى كل شيء خلقه (يُفَصِّلُ الْآياتِ) يعني الدلالات على توحيده ، فيعطي كل خلق دلالة تخصّه على توحيد موجده ، ويفصل الآيات أي يقسمها على خلقه