إدراك ، وقال صلىاللهعليهوسلم [لا أحصي ثناء عليك] وقال تعالى (وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً) فرجعوا إلى الله في المعرفة به وتركوا الفكر في مرتبته ووفوه حقه ، لم ينقلوه إلى ما لا ينبغي له التفكر فيه ، وقد ورد النهي عن التفكر في ذات الله ، فوهبهم الله من معرفته ما وهبهم ، وأشهدهم من مخلوقاته ومظاهره ما أشهدهم ، فعلموا أنه ما يستحيل عقلا من طريق الفكر لا يستحيل نسبة إلهية ، فالفكر لا يتعدى النظر في الإله من كونه إلها ، وفيما ينبغي أن يستحقه من له صفة الألوهية من التعظيم والإجلال والافتقار إليه بالذات ، وهذا كله يوجد حكمه قبل وجود الشرائع ، ثم جاء الشرع به مخبرا وآمرا ، فأمر به وإن أعطته فطرة البشر ، ليكون عبادة يؤجر عليها ، وليس للفكر حكم ولا مجال في ذات الحق لا عقلا ولا شرعا ، فإن الشرع قد منع من التفكر في ذات الله ، فالفكر يصيب العاقل به ويخطىء ، ولكن خطأه أكثر من إصابته ، لأن له حدا يقف عنده ، فمتى وقف عنده أصاب ولا بد ، ومتى جاوز حدّه إلى ما هو لحكم قوة أخرى يعطاها بعض العبيد قد يخطىء ويصيب ، عصمنا الله وإياكم من غلطات الأفكار.
(وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (٤)
(وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ) والأرض تقلب ما يزرع فيها إلى طبيعتها ، وتختلف الطعوم والروائح ، فإن الثمرة الطيّبة والخبيثة من خبث مزاج البقعة أو طيبها ، أو من خبث البذرة أو طيبها (وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ) مع كونها تسقى بماء واحد ، وما ثمّ آية أحق بما هو الوجود عليه من التفاضل من هذه الآية حيث قال (يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ) فظهر الاختلاف عن الواحد في الطعم بطريق المفاضلة ، والواقع من هذا كثير في القرآن من تفضيل كل جنس بعضه على بعض ، ولما كان الماء واحدا ، والماء سبب في ظهور الروائح المختلفة والطعوم المختلفة ، قال (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) من العقل ، والعقل القيد ، فقيدهم من