الفوائد كالأخذ منها ، ثم يأخذ في النقص كنقصانها ، ثم يهرم كهرمها ، ثم يموت كموتها ، ثم تراه يولد كتوليدها ، فيؤخذ بذر منها فيزرع فيحدث فيه الشباب كذلك حتى يصير إلى مثل حالها ، فقد يؤخذ منه كما أخذ منها وقد يترك فينقطع النسل من تلك الثمرة المعينة ، وكذلك الإنسان في التوالد والتناسل على ذلك المهيع ، فإن قلت : هذه شجرة ، فأين أختها التي تصح بها شفعيتها وإطلاق هذه الآية عليهما فكرا واعتبارا؟ فإذا تتبعت وجود الحكمة في الإنسان وتفضيله على سائر الحيوان وتقصيت أسراره وحكمه ولطائفه ، رأيتها بأعيانها في العالم المحيط الأكبر قدما بقدم ، حتى تجده كأنه هو ، فتعلم أن الثمرة الواحدة العالم الكبير المحيط ، والثمرة الأخرى الإنسان الذي هو العالم الصغير ، وعلى ذلك نبه الكتاب العزيز بقوله (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ) وبقوله (سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ) فانظر نوّر الله بصيرتك إلى ما تفرق في العالم الأكبر تجده في هذا العالم الإنساني ، من ملك وملكوت (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) اعلم أن الله تعالى ابتلى الإنسان الذي جعله خليفة في الأرض ببلاء ما ابتلى به أحدا من خلقه ، إما لأن يسعده أو يشقيه على حسب ما يوفقه إلى استعماله ، فكان البلاء الذي ابتلاه به أن خلق فيه قوة تسمى الفكر ، وكلف العقل معرفته سبحانه ليرجع إليه في اقتناء العلوم لا إلى غيره ، ففهم العقل نقيض ما أراد به الحق بقوله تعالى (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا) (لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) فاستند إلى الفكر وجعله إماما يقتدى به ، وغفل عن الحق في مراده بالتفكر أنه خاطبه أن يتفكر فيرى أن علمه بالله لا سبيل إليه إلا بتعريف الله ، فيكشف له عن الأمر على ما هو عليه ، فلم يفهم كل عقل هذا الفهم إلا عقول خاصة الله من أنبيائه وأوليائه ، يا ليت شعري هل بأفكارهم قالوا بلى حين أشهدهم على أنفسهم في قبضة الذرية من ظهر آدم؟ لا والله ، بل عناية إشهادهم إياه ذلك عند أخذه إياهم عنهم من ظهورهم ، ولما رجعوا إلى الأخذ عن قواهم المفكرة في معرفة الله لم يجتمعوا قط على حكم واحد في معرفة الله ، وذهبت كل طائفة إلى مذهب ، وكثرت القالة في الجناب الإلهي الأحمى ، واجترؤوا غاية الجرأة على الله ، وهذا كله من الابتلاء الذي ذكرناه من خلقه الفكر في الإنسان ، فالخاصة افتقروا إليه فيما كلفهم من الإيمان به في معرفته ، وعلموا أن المراد منهم رجوعهم إليه في ذلك وفي كل حال ، فمنهم القائل ، سبحان من لم يجعل سبيلا إلى معرفته إلّا العجز عن معرفته ، ومنهم من قال : العجز عن درك الإدراك