دونهما ، وقد سمي عارفا وقال تعالى : «أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين» فانظر إلى هذه الدرجات ، ثم لتعلم أن الشهداء الذين رغب العارف أن يلحق بهم هم العاملون على الأجرة وتحصيل الثواب ، وأن الله عزوجل قد برأ الصديقين من الأعواض وطلب الثواب ، إذ لم يقم بنفوسهم ذلك ، لعلمهم أن أفعالهم ليست لهم أن يطلبوا عوضا ، بل هم العبيد على الحقيقة ، والأجراء مجازا قال عزوجل : (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ) ولم يذكر لهم عوضا على عملهم ، إذ لم يقم لهم به خاطر أصلا ، لتبريهم من الدعوة. ثم قال : (وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ) وهم الرجال الذين رغب العارف أن يلحق بهم ، ويرسم في ديوانهم ، وقد جعلهم تعالى في حضرة الربوبية ، ولم يشترط في إيمان الصديقين السماع ، كما فعل بالعارفين حكمة منه سبحانه. وانظر أدب رسول الله صلىاللهعليهوسلم أين جعل العارف حيث جعله الحق فقال : «من عرف نفسه عرف ربه» ولم يقل علم فلم ينزله عن حضرة الربوبية ولا عن حضرة نفسه التي هي صاحبة الجنة كما قال : «وفيها ما تشتهي الأنفس» فالعارف صاحب الشهوة المحمودة تربيه بين يدي العالم الصديق.
(وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (٨٦) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (٨٧) وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالاً طَيِّباً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ) (٨٨)
ظاهر الشرع يعطي أن العامل في الحال رزقكم ، فإن من هنا في قوله : (مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ) للتبيين لا للتبعيض ، فإنه لا فائدة للتبعيض ، فإن التبعيض محقق مدرك ببديهة العقل لأنه ليس في الوسع العادي أكل الرزق كله ، وإن كانت للتبيين وهي متعلقة بكلوا فبين أن رزق الله هو الحلال الطيب ، فإن أكل ما حرم عليه فما أكل رزق الله ، فإن رزق الله عند بعض العلماء جميع ما يقع به التغذي من حلال وحرام ، فنهانا عن التغذي بالحرام ، فلو كان رزق الله في الحرام ما نهانا عنه ، فإذا ما هو الحرام رزق الله وإنما هو رزق ، ورزق الله هو الحلال.