وهم الأسفلون عالم الأجساد ، الذين قاموا بالنشأة العنصرية (طَوْعاً وَكَرْهاً) ويدخل في قوله تعالى (كَرْهاً) المنافقون فإنهم سجدوا كرها ، وآمنوا كرها ، لظهور أهل الإيمان بالسيف عليهم (وَظِلالُهُمْ) ـ الوجه الأول في الظلال ـ الموجودات الممكنات التي أوجدها الحق تعالى هي للأعيان التي يتضمنها برزخ الممكن ، أي حضرة الإمكان بمنزلة الظلالات للأجسام ، بل هي الظلالات الحقيقية ، وهي التي وصفها الحق سبحانه بالسجود له مع سجود أعيانها ، فما زالت تلك الأعيان ساجدة له قبل وجودها ، فلما وجدت ظلالها وجدت ساجدة لله تعالى لسجود أعيانها التي وجدت عنها ، وظل الأشخاص أشكالها ، فهي أمثالها ، وهي ساجدة بسجود أشخاصها والسجود لا يكون إلّا مع الشهود والمعرفة ، لا غير ذلك ـ الوجه الثاني ـ من أسرار العالم أنه ما من شيء يحدث إلا وله ظل يسجد لله ليقوم بعبادة ربه على كل حال ، سواء كان ذلك الأمر الحادث مطيعا أو عاصيا ، فإن كان من أهل الموافقة كان هو وظله على السواء ، وإن كان مخالفا ناب ظله منابه في الطاعة لله ، والظلالات أبدا تابعة للصورة المنبعثة عنها حسا ومعنى ، فالحس قاصر ، لا يقوى قوة الظل المعنوي للصورة المعنوية ، لأنه يستدعي نورا مقيدا ، لما في الحس من التقييد والضيق وعدم الاتساع ـ الوجه الثالث ـ ظلال الأرواح أجسادها ، فالأجساد ظلال الأرواح ، فإنها لا تتحرك إلا بتحريك الأرواح إياها تحريكا ذاتيا ، وأظهر الله الظلال عن أشخاصها بالأنوار المحصورة ، ضرب مثال لأنوار العقائد المحصورة ، فإله كل معتقد محصور في دليله ، فأراد الحق منك أن تكون معه كظلك معك من عدم الاعتراض عليه فيما يجريه عليك ، والتسليم والتفويض إليه فيما تصرف فيك به ، وينبهك بذلك أن حركتك عين تحريكه ، وأن سكونك كذلك ، ما الظل يحرك الشخص ، كذلك فلتكن مع الله ، فإن الأمر كما شاهدته ، فهو المؤثر فيك ، لذلك سجدت الظلال لمشاهدتها من خرجت عنه ، وهي الأشخاص ، يتستر ظل الشخص عن النور بأصله الذي انبعث عنه لئلا يفنيه النور ، فلم يكن له بقاء إلا بوجود الأصل ، فلا بقاء للعالم إلا بالله ، فأخبر تعالى عمّن ذكر أنهم يسجدون (طَوْعاً) للأرواح من حيث علمهم ومقامهم ، فسجدت الملائكة لمرتبة العلم فكان سجودها (لا عِلْمَ لَنا) وللأجسام من حيث ذواتهم وأعيانهم (وَكَرْهاً) في الأرواح من حيث ذواتهم ، وفي الأجسام من حيث رياستهم وتقدمهم على أبناء جنسهم ، ولما كان هذا السجود سجود إخبار ، تعيّن على العبد أن يصدّق