الرحمن (هُوَ رَبِّي) ولم يقل هو الله ، وهم لا ينكرون الرب ، وفسره بالرب لأنه المغذي ، وبالغذاء حياتهم ، فلا يفرقون من الرب ويفرقون من الله ، ولهذا عبدوا الشركاء ليشفعوا لهم عند الله ، إذ بيده الاقتدار الإلهي والأخذ الشديد ، وهو الكبير عندهم المتعالي ، فهم معترفون مقرون به ، فتلطف لهم بالعبارة بالاسم الرب ليرجعوا ، فهو أقرب مناسبة بالرحمن ، فأمر نبيه أن يقول بحيث يسمعون (قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ) في أمركم (وَإِلَيْهِ مَآبِ) أي مرجعي في أمركم ، عسى يهديكم إلى الإيمان ، فما أغلظ لهم ، لتتوفر دواعي المخاطبين للنظر فيما خاطبهم به ، إذ لو خاطبهم بصفة القهر ، وهو غيب لا عين له في الوقت إلا مجرد إغلاظ القول ، لنفرت طباعهم وأخذتهم حمية الجاهلية لما نصبوهم آلهة ، فأبقى عليهم ، وهذا هو التوحيد الرابع عشر في القرآن وهو توحيد الرجعة وهو توحيد الهوية.
(وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِما صَنَعُوا قارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللهِ إِنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ) (٣١)
قال تعالى : (وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً) فقال قرآنا بالتنكير دليل على أحد أمرين إما على آيات منه مخصوصة كما ضرط الجبار عند ما سمع (صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ) وإما أن يكون ثم أمر آخر ينطلق عليه اسم قرآن غير هذا لغة ، ولو حرف امتناع لامتناع فهل هو داخل تحت الإمكان فيوجد أو ما هو ثم إلا بحكم الفرض ، وعندنا كل كلام إلهي من كلمة مركبة من حرفين إلى ما فوق ذلك من تركيبات الحروف والكلمات المنسوبة إلى الله بحكم الكلام فإنه قرآن لغة وله أثر في النزول في المحل المنزل عليه (سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى) والتقدير لكان هذا القرآن الذي أنزل عليك يا محمد فحذف الجواب لدلالة الكلام عليه ومعنى ذلك لو أنزلناه على من ذكرناه لسارت الجبال وتقطعت الأرض وأجاب الميت ،