نعمه ، فإن الشاكر في حال شكره هو عين فقره إلى ما ليس عنده وهو الزيادة التي تزاد له على النعمة التي يكون فيها.
شكر لنعمة ربي نعمة أخرى |
|
منه عليّ لهذا يطلب الشكرا |
فقري إليه وما عندي سوى نعم |
|
من الإله بها أرساله تترى |
هو الغني وفقري منة ظهرت |
|
منه عليّ فنلت الزهو والفخرا |
بالفقر فخري وبالفاقات سلطنتي |
|
على الوجود فلا أدري ولا أدرى |
فكلما زاد العبد في العبادة شكرا لله ، زاده الحق في الهداية والتوفيق في موطن الأعمال حتى الآخرة ، حيث لا عمل ولا ألم على السعداء ، ولما كان الشكر فعلا يطلب الماضي والواقع ، كانت الزيادة من النعم للشاكر فضلا من الله ، ولهذا سماها زيادة يطلبها الشكر لا الشاكر ، ولما قرر الله هذه النعم على عبده وهداه السبيل إليها قال : إما شاكرا فيزيده منها ، وإما كفورا بنعمه فيسلبها عنه ويعذبه على ذلك ، فليحترز الإنسان لنفسه في أي طريق يمشي ، فما بعد بيان الله بيان.
(وَقالَ مُوسى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ) (٨)
(وَقالَ مُوسى) لبني إسرائيل (إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ) ينبه أن الله تعالى ما أوجد العالم إلا للعالم ، وما تعبّده بما تعبّده به إلا ليعرفه بنفسه ، فإنه إذا عرف نفسه عرف ربه ، فيكون جزاؤه على علمه بربه أعظم الجزاء ، ولذلك قال : (إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) ولا يعبدونه حتى يعرفوه ، فإذا عرفوه عبدوه عبادة ذاتية ، فإذا أمرهم عبدوه عبادة خاصة مع بقاء العبادة العامة الذاتية ، فجازاهم على ذلك ، فما خلقهم إلا لهم ، وما ذكر موسى الأرض إلا لكمالها بوجود كل شيء فيها ، وهو الإنسان الجامع حقائق العالم ، فقوله : (فِي الْأَرْضِ) لأنها الذلول ، فهي الحافظة مقام العبودية ، فكأنه قال : (إِنْ تَكْفُرُوا) أنتم وكل عبد الله (فَإِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ).
(أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ