المختزن ، والعالم خزانة مخزون ، وانتقال مختزن من خزانة إلى خزانة فما أنزل منه شيء إلى غير خزانة ، فكله مخزون عنده ، فهو خزانته على الحقيقة التي لا يخرج شيء عنها ، وما عدا الحق فإن المختزن يخرج عنها إلى خزانة أخرى ، فالافتقار للخزائن من الخزائن إلى الخزائن ، والكل بيد الله وعنده ، فهو الصمد الذي يلجأ إليه في الأمور ويعول عليه ، ومن هنا يتعلق المتوكلون في حال توكلهم على ما توكلوا عليه ، فمنهم المتوكل على الله ، ومنهم المتوكل على الأسباب ، غير أن الأسباب قد تخون من اعتمد عليها ولجأ إليها في أوقات ، والحق تعالى لا يسلم من توكل عليه وفوض أمره إليه. ـ الوجه الثالث ـ في هذه الخزائن : هي الخزائن الموجودة في الفلك الأطلس فلك البروج ، فإن لكل ملك من الأملاك الاثني عشر في كل برج ملكه إياه ثلاثين خزانة ، تحتوي كل خزانة منها على علوم شتى يهبون منها لمن ينزل بهم على قدر ما تعطيه رتبة هذا النازل (وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ) فله موازين ، فما يتميز عنده إلا ما هو موجود له ، ولا يجري القدر إلا في عين مميزة عن غيرها ، وليس هذا صفة المعدوم من كل وجه ، فدل ذلك كله على وجود الأعيان لله تعالى في حال اتصافها بالعدم لذاتها ، وهذا هو الوجود الأصلي لا الإضافي والعدم الإضافي ، كما يدل قوله تعالى (وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ) على أن ترتيب الإيجاد يؤذن بالتوقيت على مقتضى الحكمة من اسمه الحكيم ، فينزل الأرزاق بقدر معلوم في الدنيا ، فإذا كان في الآخرة عاد الحكم فيما تحوي عليه هذه الخزائن التي عند الله إلى العبد العارف الذي كمل الله سعادته ، فيدخل فيها متحكما فيخرج منها ما يشاء بغير حساب ، ولا قدر معلوم ، بل بحكم ما يختاره في الوقت ، فإن المسعود في الآخرة يعطى التكوين ، ويكشف له عن نفسه أنه عين الخزانة التي عند الله ، فإنه عند الله ، فكل ما خطر له تكوينه كونه ، فلا يزال في الآخرة خلاقا دائما ، فارتفع التقدير فهو يتبوأ من الجنة حيث يشاء.
(وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ فَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَسْقَيْناكُمُوهُ وَما أَنْتُمْ لَهُ بِخازِنِينَ (٢٢) وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوارِثُونَ (٢٣) وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ (٢٤) وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ