ثم إن الله جعل عنديته ظرفا لخزائن الأشياء ، ومن هذه الخزائن تخرج الأشياء إلى وجود أعيانها ، فهي في الخزائن محفوظة موجودة لله ، ثابتة لأعيانها غير موجودة لأنفسها ، فالأشياء الموجودة بالنظر إلى أعيانها موجودة عن عدم ، وبالنظر إلى كونها عند الله في هذه الخزائن هي موجودة عن وجود ، فأعيان العالم محفوظون في خزائنه عنده ، وخزائنه علمه ، ومختزنه نحن ، فنحن أثبتنا له حكم الاختزان ، لأنه ما علمنا إلا منا ، ومعلوم أن الله يخلق الأشياء ويخرجها من العدم إلى الوجود ، وهذه الإضافة تقتضي بأنه يخرجه من الخزائن التي عنده ، فهو يخرجها من وجود لم تدركه إلى وجود تدركه ، فما خلصت الأشياء إلى العدم الصرف ، بل ظاهر الأمر أن عدمها من العدم الإضافي ، فإن الأشياء في حال عدمها مشهودة له يميزها بأعيانها ، مفصلة بعضها عن بعض ، ما عنده فيها إجمال ، فخزائنها أعني خزائن الأشياء التي هي أوعيتها المخزونة فيها إنما هي إمكانات الأشياء ليس غير ذلك ، لأن الأشياء لا وجود لها في أعيانها ، بل لها الثبوت ، والذي استفادته من الحق الوجود العيني ، فتفصلت للناظرين ولأنفسها بوجود أعيانها ، ولم تزل مفصلة عند الله تفصيلا ثبوتيا ، ثم لما ظهرت في أعيانها وأنزلها الحق من عنده أنزلها في خزائنها ، فإنّ الإمكان ما فارقها حكمه ، فلو لا ما هي في خزائنها ما حكمت عليها الخزائن ، فما لها خروج من خزائن إمكانها ، والخزائن لا تكون خزائن إلا بما يختزن بها ، فالأشياء عند الله مختزنة في حال ثبوتها ، فإذا أراد تكوينها لها أنزلها من تلك الخزائن وأمرها أن تكون ، فتكتسي حلة الوجود فيظهر عينها لعينها ، ولم تزل ظاهرة لله في علمه أو لعلمه بها ، فليست الخزائن إلا المعلومات الثابتة ، فإنها عنده ثابتة يعلمها ويراها ويرى ما فيها ، فيخرج منها ما شاء ، وهي مع كونها في خزائن ، فيتخيل فيها الحصر والتناهي ، وإنما هي غير متناهية ، ـ الوجه الثاني ـ اعلم أن الخزائن التي عند الحق على نوعين ، نوع منها خزائن الثبوت للممكنات ، والنوع الثاني منها خزائن وجودية لمختزنات موجودة ، كشيء يكون عند زيد ، من جارية أو غلام أو فرس أو ثوب أو دار أو أي شيء كان ، فزيد خزانته ، وذلك الشيء هو المختزن ، وهما عند الله ، فإن الأشياء كلها بيد الله ، فيفتقر عمرو إلى الله تعالى في ذلك الذي عند زيد أن يكون عنده ، كان ما كان ، فيلقي الله في قلب زيد أن يهب ذلك الشيء أو يبيعه أو يزهد فيه ويكرهه فيعطيه عمروا ، فمثل هذا من خزائن الحق التي عنده ، والعالم على هذا كله خزائن بعضه لبعض ، وهو عين