المضاف إليه تعالى كالأماكن ، تطرح الشمس شعاعاتها عليها فتختلف آثارها باختلاف القوابل ، أين ضوء الشمس في الأجسام الكثيفة منه في الأجسام الصقيلة؟ فلهذا تفاضلت النفوس لتفاضل الأمزجة ، فترى نفسا سريعة القبول للفضائل والعلوم ، ونفسا أخرى من الضد منها ، وبينهما متوسطات ، فكانت النفوس عن الطبيعة فهي أمها وأبوها الروح ، ولا تتقوى النفس بأبيها إلا إذا أيدها الله بروح قدسي ينظر إليها ، فحينئذ تقوى على حكم الطبيعة ، فلا تؤثر فيها التأثير الكلي وإن بقي فيها أثر ، فإنه لا يمكن زواله بالكلية ، ففرّق الحق بين روح الأمر وبين روح ياء الإضافة ، فجعل روح الأمر لما يكون به التأييد ، وجعل روح الياء لوجود عين الروح الذي هو كلمة الحق المنفوخ في الطبيعة ، فمن حيث النفخ الإلهي لا تفاضل ، وإنما التفاضل في القوابل ، فالنفس لها وجه إلى الطبيعة ووجه إلى الروح الإلهي ، وأضاف الروح إلى نفسه بياء الإضافة ينبه على مقام التشريف ، أي أنك شريف الأصل فلا تغفل إلا بحسب أصلك ، لا تفعل فعل الأراذل ، وسميت حقيقة الإنسان لطيفة لأنها ظهرت بالنفخ عند تسوية البدن للتدبير من الروح المضاف إلى الله ، من قوله : (فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي) وهو النفس الإلهي ، فهي سر إلهي لطيف ينسب إلى الله على الإجمال من غير تكييف ، وأعطيت هذه الحقيقة في هذا المركب الآلات الروحانية والحسية لإدراك علوم لا يعرفها إلا بوساطة هذه الآلات ، وهذا من كونه لطيفا أيضا ، فإنه من الإمكان العقلي فيما يظهر لبعض العقلاء من المتكلمين أن يعرف ذلك الأمر من غير وساطة هذه الآلات ، وهذا ضعيف في النظر ، فإنا ما نعني بالآلات إلا المعاني القائمة بالمحل ، فنحن نريد السمع والبصر والشم ، لا الأذن والعين والأنف ، وهو لا يدرك المسموع إلا من كونه صاحب سمع لا صاحب أذن ، وكذلك لا يدرك المبصر إلا من كونه صاحب بصر لا صاحب حدقة وأجفان ، فإذا إضافات هذه الآلات لا يصح ارتفاعها ، ولما ظهر عين هذه اللطيفة التي هي حقيقة الإنسان كان هذا أيضا عين تدبيرها لهذا البدن من باب اللطائف ، لأنه لا يعرف كيف ارتباط الحياة لهذا البدن بوجود هذا الروح اللطيف ، لمشاركة ما تقتضيه الطبيعة فيه من وجود الحياة التي هي الروح الحيواني ، فظهر نوع اشتراك ، فلا يدري على الحقيقة هذه الحياة البدنية الحيوانية هل هي لهذه اللطيفة الظاهرة عن النفخ الإلهي المخاطبة المكلفة أو الطبيعة أو للمجموع إلا من علم ذوقا أنه ما في العالم