إلا حي ناطق بتسبيح ربه تعالى بلسان فصيح ينسب إليه بحسب ما تقتضيه حقيقته ، واعلم أنه لما خلق الله تعالى الإنسان من جملة خلقه ، خلقه إماما وأعطاه الأسماء ، وأسجد له الملائكة وجعل له تعليم الملائكة ما جهلوه ، ولم يزل في شهود خالقه ، فلم تقم به عزة بل بقي على أصله من الذلة والافتقار ، ولما حمل الأمانة عرضا وجرى ما جرى قال هو وزوجته إذ كانت جزءا منه (رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا) بما حملاه من الأمانة ، ثم إن بنيه اعتزوا لمكانة أبيهم من الله لما اجتباه ربه وهدى به من هدى ، ورجع عليه بالصفة التي كان يعامله بها ، ابتداء من التقريب والاعتناء الذي جعله خليفة عنه في خلقه وكمل به وفيه وجود العالم ، وحصّل الصورتين ، صورة خلقه على صورة الحق وصورة خلقه مجموعا لصورة العالم ، ففاز بالسورتين أعني المنزلتين ، منزلة العزة بالسجود له ومنزلة الذلة بعلمه بنفسه ، وجهل من جهل من بنيه ما كان عليه أبوه من تحصيل المنزلتين والظهور بالصفتين ، فراضهم الاسم المذل من حضرة الإذلال ، فأخرجهم عن الإدلال بالدال اليابسة ، وذلك لما اعتنى الله به من بنيه فأشهدهم عبوديتهم فتقربوا إليه بها ، ولا يصح أن يتقرب إلى الله إلا بها ، وكان سبب ذلك ما حصل في نفوس البنين من العزة التي حصلت له من رتبة أبيه من خلقه على الصورة الإلهية ، كما أخبر رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن الله خلق آدم على صورته ، واختلف في ضمير الهاء من صورته على من يعود ، فهو على الصورة الإلهية وفي رواية وإن ضعفت على صورة الرحمن ، ولو علم من يجهل هذا أنه ما من شيء في العالم إلا وله حظ من الصورة الإلهية ، والعالم كله على الصورة الإلهية ، وما فاز الإنسان الكامل إلا بالمجموع ، وما كملت الصورة من العالم إلا بوجود الإنسان ، فامتاز الإنسان الكامل عن العالم ، مع كونه من كمال الصورة للعالم الكبير بكونه على الصورة بانفراده من غير حاجة إلى العالم ، فلما امتاز سرى العز في أبنائه ، أي في بعض بنيه ، فراضهم الله بما شرع لهم ، فقال لهم إن كنتم اعتززتم بسجود الملائكة لأبيكم فقد أمرتكم بالسجود للكعبة ، فالكعبة أعز منكم إن كان عزكم للسجود ، فإنكم في أنفسكم أشرف من الملائكة التي سجدت لكم أي لأبيكم ، وأنتم مع دعواكم في هذا الشرف تسجدون للكعبة الجمادية ، ومن عصى منكم عن السجود لها التحق بإبليس الذي عصى بترك سجوده لأبيكم ، فلم يثبت لكم العز بالسجود مع سجودكم للكعبة وتقبيلكم الحجر الأسود على أنه يمين الله محل البيعة الإلهية كما أخبرتكم ، وإن كنتم اعتززتم بالعلم لكون أبيكم علم الملائكة الأسماء كلها