(فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) (٩٤)
فانصدع بأمر الله ، لأنه ما قال له اصدع إلا ولا بد أن يكون قابلا لنفوذ أمر الله فيه حتى يسمى مصدوعا ، فلو كان لا يقبل النفوذ لكان هذا الأمر عبثا ، ألا ترى إلى قوله تعالى (وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) فإنه لا ينفذ في المشرك ، إذ لو نفذ لوحّد ، فقال له : وأعرض ، لأنهم ليسوا بمحل ، فيأمر الرسول المشرك من غير صدع ، والذي علم منه أنه يجيب ويقبل الأمر ولو كان على كره هو الذي يصدع بالأمر.
(إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ (٩٥) الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) (٩٦)
وهم الذين قالوا (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) وقالوا (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ) أقسم سبحانه باسمه لنبيه وأضافه إليه إضافة الحضور والمشاهدة ، تفريجا لغمه وطردا لهمه ، وثلجا لفؤاده ، وشرحا لما ناله من الضيق والحرج مما سمع في سيده ومرسله وحبيبه من رد أمره وخطابه وتكذيبه ، وهذا هو المقام العالي الذي لا أعلى منه ولا أسنى ، ويقع فيه التفاضل بين الرسل وبين الأنبياء وبين الأولياء ، ولما كان عند النبي صلىاللهعليهوسلم سؤال الحق عباده عن أعمالهم بالتقرير والإنكار والتوبيخ والتقريع من المشقات الكبيرة والآلام العظام ، أقسم له سبحانه بنفسه ليشتفي من أعدائه في ذلك الموطن ، فقدّم له إخباره هذا ، وأقسم عليه تأكيدا ، لينقص عنه من ذلك الضيق الذي يجده بعض الشيء.
(وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ) (٩٧)
يعني في حق الله وتكذيبه ، فهو لذلك يضيق صدره ، فلما علم أن نبيه صلىاللهعليهوسلم في المقام الذي أوصله إليه سبحانه بعنايته التي تقتضي له أن يعامل الوقت كما ينبغي بما ينبغي لما ينبغي ، أمره بالتسبيح الرباني ليشغله به عن ضيقه وألمه وجرحه ، وزواله بالكلية محال من أجل الموطن ، ولهذا قال له في هذا الموطن في آية أخرى (وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا) فأمره