(١٦) سورة النّحل مكيّة
بسم الله الرّحمن الرّحيم
(أَتى أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) (١)
(أَتى) بالماضي (أَمْرُ اللهِ) يوم القيامة وإن كان لم يأت بعد ولكن تقطع النفس المؤمنة بإتيانه فلا فرق عندها بين حصوله وعدم حصوله وعبر بالماضي عن المستقبل لتحقق وقوعه ولا بد وزوال حكم الإمكان فيه إلى حكم الوجوب وكل ما كان بهذه المثابة فحكم الماضي فيه والمستقبل على السواء وسياقه بالماضي آكد في الوقوع وتحققه من بقائه على الاستقبال.
(يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنَا فَاتَّقُونِ) (٢)
(يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ) لما كان العلم تحيا به القلوب كما تحيا بالأرواح أعيان الأجسام كلها سمي العلم روحا تنزل به الملائكة على قلوب عباده فهم المعلمون والأستاذون في الغيب ، يشهدهم من نزلوا عليه ، فإذا نزل هذا الروح في قلب العبد بتنزيل الملك أو بإلقاء الله ووحيه ، حيي به قلب المنزل عليه ، فكان صاحب شهود ووجود ، لا صاحب فكر وتردد ولا علم يقبل عليه دخلا فينتقل صاحبه من درجة القطع إلى حال النظر (مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) وهي النبوة العامة لأن من نكرة (أَنْ أَنْذِرُوا) فما جاء إلا بالإعلام ، وفيه ضرب من الزجر حيث ساق الإعلام بلفظة الإنذار ، فهو إعلام بزجر فإنه البشير والنذير ، والبشارة لا تكون إلا عن إعلام ، فغلب في الإنزال الروحاني باب الزجر والخوف ، لما قام بالنفوس من الطمأنينة الموجبة إرسال الرسل ليعلموهم أنهم عن الدنيا إلى الآخرة منقلبون ، وإلي الله من نفوسهم راجعون (أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا) هذا هو التوحيد الخامس عشر في القرآن