لا تعلم صانعها ـ ولا منفصلة عن رازقها فإنها تأخذ عنه مضارها ومنافعها ، فخلق الأرواح والأملاك ورفع السموات قبة فوق قبة على عمد الإنسان ، وأدار الأفلاك ، ودحى الأرض ليميز بين الرفع والخفض ، وعيّن الدنيا طريقا للآخرة ، وأرسل بذلك رسله تترى ، لما خلق في العقول من العجز والقصور عن معرفة ما خلق الله من أجرام العالم وأرواحه ولطائفه وكثائفه ، فإن الوضع والترتيب ليس العلم به من حظ الفكر ، بل هو موقوف على خبر الفاعل لها والمنشيء لصورها ، ومتعلق علم العقل من طريق الفكر إمكان ذلك خاصة لا ترتيبه ، ثم إن الله تعالى قدّر في العالم العلوي المقادير والأوزان والحركات والسكون في الحال والمحل والمكان والمتمكن ، فخلق السموات وجعلها كالقباب على الأرض قبة فوق قبة ، وجعل هذه السموات ساكنة ، وخلق فيها نجوما ، وجعل في سيرها وسباحتها في هذه السموات حركات مقدّرة لا تزيد ولا تنقص ، وجعلها عاقلة سامعة مطيعة ، ثم إن الله تعالى يحدث عند هذه الحركات الكوكبية في الطرق السماوية في عالم الأركان وفي المولدات أمورا مما أوحى في أمر السماء ، وجعل ذلك عادة مستمرة ابتلاء من الله ابتلى بها عباده ، فمن الناس من جعل ذلك الأثر عند هذا السير لله تعالى ، ومن الناس من جعل ذلك لحركة الكوكب وشعاعه ، لما رأى أن عالم الأركان مطارح شعاعات الكواكب ، فأما الذين آمنوا بالله فزادتهم إيمانا بالله ، وأما الذين آمنوا بالباطل فزادتهم إيمانا بالباطل وكفروا ، وهم الخاسرون الذين ما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين.
(خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (٤) وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ وَمَنافِعُ وَمِنْها تَأْكُلُونَ) (٥)
الأنعام من الإنعام ، تحمل الأثقال والرحال ، وعليها تمتطي الرجال ، ومن أعجب ما يكون أن الوضوء من أكل لحومها مسنون ، لشربها من بئر شطون.
(وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (٦) وَتَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ إِلى بَلَدٍ