مُسَخَّراتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (١٢)
اعلم أن الله تعالى لما رفع السماء ووضع الميزان في سباحة الكواكب في أفلاكها التي هي طرق السموات ، لتجري بالمقادير الكائنة في العالم على قدر معلوم لا تتعداه ، فهي تعطي وتمنع بذلك الميزان الذي وضع الحق لها ، لأنها تشاهد الميزان الذي بيد الحق حين يخفض به ويرفع ، فإذا نظرت إلى من رفعه الحق بميزانه أعطته ما يستحقه مقام الرفع ، وإذا رأت الحق يضع بميزانه من شاء أعطته ما يستحقه مقام الوضع ، وذلك هو التسخير الذي ورد في القرآن في النجوم أنها مسخرات بأمره ، فيقول العالم والمؤمن : مطرنا بفضل الله ورحمته ، بالوزن الذي جعله في سباحة كوكب من الكواكب وما قدره الله له من المنازل التي ينزل فيها ، والمحجوب والكافر يقول : مطرنا بنوء كذا وكذا ، فيذكر الكوكب المجبور في ذلك ، ويضيف ما ظهر من المطر الصائب إليه (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) الذين يعقلون عن الله كل شيء في العادة عندهم فيه تعجب ، وأما أصحاب العوائد فإنهم لا تعجب عندهم إلا فيما ظهر فيه خرق العادة.
(وَما ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (١٣) وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها وَتَرَى الْفُلْكَ مَواخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٤) وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهاراً وَسُبُلاً لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) (١٥)
فالأرض هي الثابتة الراسية ، سكّن ميدها جبالها التي جعلها الله أوتادها ، لما تحركت من خشية الله آمنها الله بهذه الأوتاد ، فسكنت سكون الموقنين.
(وَعَلاماتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ) (١٦)