ثم جعل العالمين على قسمين : طائع وعاصي ، فجعلك من الطائعين ولم يجعلك من العاصين ، فهذه نعمة عظيمة ، فقد غمرتك النعم ، ولا يتسع الليل والنهار لأداء شكر واجبات هذه النعم ، وأنه إن اشتغلنا بواحدة منها ، فغايتنا أن نقطع ضياءنا وظلامنا ببعض ذرة من واحدة ، فعلى هذا يجب علينا الذي يمكننا أن نفعله أن لا يرانا الله وقتا واحدا بطالين ولا متصرفين في مباح إلا حاضرين بقلوبنا على الدوام ، مكفوفي الجوارح عن التصرف المحظور علينا ، مطلوقي الألسنة بالذكر ، وبإظهار العلم والشكر عليه ، والاعتراف بالتقصير دائما ، وتوبيخ النفوس الذي أراده الحق منا ، لا تعديلها وتزكيتها ، وعطايا الحق كلها نعم ، إلا أن النعم في العموم موافقة الغرض وعوارف الحق مننه ونعمه على عباده ، فما أطلعك منها على شيء إلا ليردك ذلك الشيء منك إليه ، فهو دعاء الحق في معروفه ، لما رأى عندك من الغفلة عنه ، فتحبب إليك بالنعم (إِنَّ اللهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ).
(وَاللهُ يَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ (١٩) وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ (٢٠) أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (٢١) إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ) (٢٢)
(وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) فنؤمن به من حيث ما جاء به الخبر ، لا من حيث الدليل ، فذلك التصديق هو الإيمان.
(لا جَرَمَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ (٢٣) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (٢٤) لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ (٢٥) قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتاهُمُ