جملة نعمه فقال : (أَوَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً) فهذه أول نعمة أنعم بها عليك ، لو كلّفك الله شكر هذه النعمة وحدها ، وجعل معك أهل السموات والأرض بعبادتهم مؤيدين لك عمرك الأخروي الذي لا نهاية له ، ما قمت بشكرها ، كيف وقد انضاف إليها نعم كثيرة؟! منها كونه أوجدك متغذيا ناميا ، ولم يجعلك جمادا صلدا ، فكانت القدرة ممكنة لما أوجدتك ولم تك شيئا ، أن تنزلك في أمة الجمادات ، ولكن مقام النبات أعلى ، وأمته أفضل ، فجعلك متغذيا ولم يجعلك جمادا ، وهذه نعمة كبيرة ولا يؤدى شكرها ولا يقدّر قدرها ، ثم زادك الله نعمة على هذه النعمة بأن نقلك من أمة النبات والشجر ، إلى أمة الحيوان ، فجعلك حساسا ، فوجب عليك من الشكر والعبادة ما وجب على الجماد والنبات والحيوان ، فإنك قد جمعت حقائقهم وزدت على كل واحد منهم ، ثم زادك الله تبارك وتعالى ، نعمة أخرى إلى هذه النعم ، فجعلك ناطقا ، وفضلك على الحيوان الحساس خاصة ، فزدت معرفة بما لا يعرفه الحيوان ، فأعطاك بنطقك حقيقة الملك ، وهو الاشتراك في العقل الإلهي ، فوجب عليك ما وجب على الملك من جهة روحك ، فأنت مطالب بالحضور الدائم ، ثم أنعم الله عليك بنعمة الاختصاص ، فجعلك موحدا ولم يجعلك مشركا ، لا ليد تقدمت لك عليه ، فهذا اختصاص ، إذ قد قسّم جنسك إلى موحد وإلى مشرك وجعلك من حزب الموحدين ، ثم زادك إلى هذه النعمة نعمة أخرى ، وهي إيمانك بالرسول صلىاللهعليهوسلم ، ولم يجعلك مكذبا برسوله كما فعل بغيرك من أبناء جنسك حيث كفر برسوله ، فقد حبانا الله بإلايمان بالنبي صلىاللهعليهوسلم حين خذل غيرنا ، ثم نعمة أخرى لما جعلك مؤمنا بنبي جعلك من أمة محمد صلىاللهعليهوسلم ، ولم يجعلك من أمة غيره من الأنبياء ، وهنا نعم منها أن ألحق هذه الأمة بدرجة الأنبياء باتباعهم محمدا صلىاللهعليهوسلم ، وعيسى عليهالسلام من جملة أمة محمد صلىاللهعليهوسلم ، وهو رسول الله وروحه وكلمته ، والنعمة الأخرى أن جعلك شهيدا على سائر الأمم ، وهي مرتبة النبوة ، فإنهم الشهداء على أممهم ، فهذه مواطن تحشر فيها غدا مع النبيين ، ونعمة أخرى لم يعطها أحدا قبلك من الأمم ، فإنك مؤمن بنبيك آخر الأنبياء وبمن تقدم إلى آدم ، ولكل نعمة شكر يخصها وعمل يطابقها ، ثم أنه حفظك من البدعة وميزك في ديوان السنة ، فهذا اختصاص ، ثم أهل السنة قسمهم قسمين : عالم وجاهل ، فجعلك عالما بما تعبدك به من شريعته ولم يجعلك جاهلا بذلك ، فهذه نعمة يجب أيضا شكرها ،