(وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ) أي ممن يدب عليها ، يقول يمشي (وَهُمْ) يعني أهل السموات ، فكل ما في السموات والأرض موصوف بالسجود دائما لافتقاره ، ومن افتقر فقد كسر فقار ظهره ، فلا يتمكن له أن يرفع رأسه أبدا ، فالعالم الذي هو ما عدا الثقلين ساجد لله ، فهو مطيع قائم بما تعين عليه من عبادة خالقه ومنشيه (وَالْمَلائِكَةُ) يعني التي ليست في سماء ولا أرض (وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ) يعني عن عبادة ربهم.
(يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ) (٥٠)
ثم وصفهم بالخوف ليعلمنا أنهم عالمون بمن سجدوا له ، فأفعالهم أفعال الخائفين ، وخوفهم خوف نزول عن مرتبة إلى مرتبة أدنى ، ولا سيما وقد روي أن ابليس كان من أعبد الخلق لله تعالى ، وحصل له الطرد والبعد من السعادة التي كان يرجوها في عبادته لله تعالى لما حقّت عليه كلمة العذاب ، وقوله تعالى (مِنْ فَوْقِهِمْ) فوصف نفسه تعالى بالفوقية لشرفها ، فهي فوقية مرتبة ، ثم وصف المأمورين منهم أنهم (يَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ) وهم الذين قال فيهم (لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ) وتتضمن هذه السجدة سجود العالم الأعلى والأدنى في مقام الذلة والخوف ، والسجود عند قوله تعالى : (وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ) ولما كان الحق قد ذكر الملائكة وسجودها في سورة الأعراف ، والظلال وسجودها في سورة الرعد ، وسجدت الملائكة في سورة الأعراف سجود اختيار لما يقتضيه جلال الله ، أثنى الله عزوجل عليهم هنا بأنهم (يَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ) فسجدوا شكرا لله لما أثنى الله عزوجل عليهم بما وفقهم إليه من امتثال أوامره ، وشرع للعبد هنا أن يسجدها رغبة في أن يكون ممن أثنى الله عليه بما أثنى على ملائكته ، فهي للعبد سجود ذلة وخضوع ، فإنه قد ذكر قبل هذه السجدة (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلى ما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ) والضمير في ظلاله يعود على الشيء المخلوق ثم قال (عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ داخِرُونَ) أي أذلاء فهو سجود ذلة وخضوع.
(وَقالَ اللهُ لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ) (٥١)