ما نزل ، لا عين ما نزل ، ويقع البيان بعبارة خاصة ويعقل بأي شيء كان ، فلو لا البيان ما فصل بين المتشابه والمحكم ، فلو لم ينزل المتشابه لنعلم أنه متشابه لم يعلم أنه ثمّ في علم الله ، ما يكون متشابها ، وهذا غاية البيان حيث أبان لنا أن ثمّ ما يعلم وثمّ ما لا يعلمه إلا الله ، وقد يمكن أن يعلّمه الله من يشاء من خلقه بأي وجه شاء أن يعلمه ، فالرسول ملزم بتبيين ما جاء به حتى يفهم عنه لإقامة الحجة على المبلغ إليه ، وعلمنا أن كل رواية ترفع الإشكال هي الصحيحة وإن ضعفت عند أهل النقل.
(أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (٤٥) أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ (٤٦) أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (٤٧) أَوَلَمْ يَرَوْا إِلى ما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ داخِرُونَ) (٤٨)
(أَوَلَمْ يَرَوْا) خاطب بذلك أهل الكشف وهم عامة الإنس وكل عاقل ، فخاطبهم بالنعيم البصري (إِلى ما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ) الضمير في ظلاله يعود على الشيء ، وقد قلنا : إن الأجساد ظلال الأرواح ، وإن الموجودات الممكنات التي أوجدها الحق تعالى هي للأعيان التي يتضمنها برزخ الممكنات بمنزلة الظلالات للأجساد ، فقال تعالى : (عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ) وهو ما قلنا في الآية السابقة : فما زال سجادا فقيدا وموجودا ، فالأعيان الثابتة ساجدة لله ، وظلالها وهي الأعيان الموجودة تخرج على صورتها ساجدة لله ، فأخبر الله تعالى في هذه الآية أن ذلك التفيؤ يمينا وشمالا أنه سجود لله وصغار وذلة لجلاله ، ولذلك قال : (وَهُمْ داخِرُونَ) أي أذلاء ، فوصفهم بعقليتهم أنفسهم حتى سجدوا لله داخرين ، ثم أخبر فقال متمما.
(وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ) (٤٩)