هو العلم ، فإنه على بينة من ربه ، ولو لم يكن عند الذاكرين بهذه المثابة لم يكن بينهم وبين غيرهم من البشر فرقان ، فإنه تعالى معهم حيثما كانوا وأينما كانوا ، فلا بد أن يكون مع الذاكرين له بمعية اختصاص ، وما ثمّ إلا مزيد علم ، به يظهر الفضل ، فكل ذاكر لا يزيد علما في ذكره بمذكوره فليس بذاكر وإن ذكر بلسانه ، لأن الذاكر هو الذي يعمه الذكر كله ، فذلك هو جليس الحق ، فلا بد من حصول الفائدة ـ وجه ـ أهل الذكر هم أهل القرآن فإن الله تعالى يقول : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ) وهو القرآن الذين يعملون به ، وهم أهل الله وخاصته ، وهم أهل الاجتهاد ومنهم المصيب والمخطىء ، فيتعين على المقلد إذا لم يعلم ، السؤال عن الحكم في الواقعة لمن يعلم أنه يعلم من أهل الذكر ، فيفتيه ، فإن قال له : هذا حكم الله أو حكم رسوله أخذ به ، وإن قال له : هذا رأيي كما يقول أصحاب الرأي في كتبهم فإنه يحرم عليه اتباعه فيه ، فإن الله ما تعبده إلا بما شرع له في كتاب أو سنة ، وما تعبد الله أحدا برأي أحد ، والأشياخ يسألون ولا يقتدى بأفعالهم إلا إن أمروا بذلك في أفعال معينة ، قال تعالى : (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ) وهم أهل القرآن أهل الله وخاصته ، وأهل القرآن هم الذين يعملون به ، وهو الميزان المشروع من الله تعالى ، فلا ينبغي أن يقتدى بفعل أحد دون رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فإن أحوال الناس تختلف ، فقد يكون عين ما يصلح للواحد يفسد به الآخر إن عمل به ، وإذا كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم قد اختلف الناس في أفعاله هل هي على الوجوب أم لا؟ فكيف بغيره مع قوله الله تعالى : (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) وقوله (فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ)؟ وهذا كله ليس بنص منه في وجوب الاتباع في أفعاله ، فإنه صلىاللهعليهوسلم قد اختص بأشياء لا يجوز لنا اتباعه فيها ، ولو اقتدينا به فيها كنا عاصين مأثومين.
(بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (٤٤)
(وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) بعد تبليغه ، فما اكتفى الله بنزول الكتب الإلهية حتى جعل الرسل المترجمين عن الله تبيّن ما أنزل الله على عباده ، تبيّن ما فيها لما في العبارة من الإجمال وما تطلبه من التفصيل ، ولا تفصل العبارة إلا بالعبارة ، فنابت الرسل مناب الحق في التفصيل فيما لم يفصله وأجمله ، فما أبان عنه الرسول وما فصّله فهو تفصيل