أي أن المقصود منه الشفاء بالوجود ، كما المقصود بالغيث إيجاد الرزق الذي يكون عن نزوله بالقصد وإن هدم الغيث بيت الشيخ الفقير الضعيف ، فما كان رحمة في حقه من هذه الجهة الخاصة ، ولكن ما هي بالقصد العام الذي له نزل المطر ، وإنما كان من استعداد القابل للتهدم لضعف البنيان ، كما كان الضرر الواقع لآكل العسل من استعداد مزاجه لم يكن بالقصد العام ، جاء رجل لرسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : إن أخي استطلق بطنه ، فقال : اسقه عسلا ، فسقاه عسلا ، فزاد استطلاقه ، فرجع فأخبره ، فقال : اسقه عسلا ، فزاد استطلاقه ، وما علم هذا الرجل ما علمه رسول الله صلىاللهعليهوسلم من ذلك ، فإنه كان في المحل فضلات مضرة لا يمكن إخراجها إلا بشرب العسل ، فإذا زالت عنه أعقبته العافية والشفاء ، فلما رجع إليه قال له : يا رسول الله سقيته عسلا فزاد استطلاقه ، فقال : صدق الله وكذب بطن أخيك ، اسقه عسلا في الثالثة ، فسقاه فبرىء ، فإنه استوفى خروج الفضلات المضرة.
(وَاللهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ) (٧٠)
(وَاللهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ) وهو الهرم الكائن عن مرور الزمان ، وهو قوله تعالى : (ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً) وهو رجوع إلى الضعف الأول إلى أرذل العمر ، وأرذل العمر ما لا يحصل لنا فيه علم ، فيفارق الإنسان فيه ما كان يعلمه ، فقال : (لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً) فإما أن يكون منع الزيادة ، وإما أن يكون اتصف بعدم العلم في حال الهرم ، لشغله بما هو عليه من الضعف المفرط.
(وَاللهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلى ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَواءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللهِ يَجْحَدُونَ (٧١) وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ