الشهوة وحكمها فيه ، وعندنا أنه مجبور في مثل هذا ، مكره على أن يريد الوقاع ، ولا يظهر حكم إرادته إلا بالوقوع ، ولا يكون الوقاع إلا بعد الانتشار ووجود الشهوة ، وحينئذ يعصم نفسه من المكره له على ذلك المتوعد له بالقتل إن لم يفعل ، فصح الإكراه في مثل هذا بالباطن ، بخلاف الكفر فإنه يقنع فيه بالظاهر وإن خالفه الباطن ، فالزاني يشتهي ويكره تلك الشهوة ، فإنه مؤمن ، ولو لا أن الشهوة إرادة بالتذاذ لقلنا إنه غير مريد لما اشتهاه.
(ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (١٠٧) أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ (١٠٨) لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخاسِرُونَ (١٠٩) ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا ثُمَّ جاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١١٠) يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) (١١١)
فكل نفس مطلوبة من الحق في نفسها ، لا تجزى نفس عن نفس شيئا ، فإن الله ما كلف أحدا إلا بحاله ووسعه ، ما كلف أحدا بحال أحد ، وأقيم الكسب مقام العمل والعمل مقام الكسب ، فجاء في الآية (وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ) أي ما كسبت ، وفي آية (ما كَسَبَتْ) فسمي العمل كسبا.
(وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ فَأَذاقَهَا اللهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ) (١١٢)
(يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ) وهذا غاية النعم من النعم (فَكَفَرَتْ) يعني