الجماعة التي أنعم عليها المنعم بهذه النعم (بِأَنْعُمِ اللهِ فَأَذاقَهَا اللهُ لِباسَ الْجُوعِ) بإزالة الرزق (وَالْخَوْفِ) بإزالة الأمن (بِما كانُوا يَصْنَعُونَ) من ستر النعم وجحدها والأشر والبطر بها.
(وَلَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ وَهُمْ ظالِمُونَ (١١٣) فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالاً طَيِّباً وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) (١١٤)
(فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالاً طَيِّباً) طالب سبيل النجاة يتوجه عليه وجوبا تجنب الحرام ، والورع في الشبهات المظنونة ، وأما المحققة فواجب عليه تجنبها كالحرام على كل حال من الأحوال ، فإنه ما أتي أحد إلا من بطنه ، منه تقع الرغبة وقلة الورع في المكسب وتعدي حدود الله تعالى ، فالله الله يا بني التقليل من الغذاء الطيب ، فإن الجسم لا يطلب منك إلا سد جوعته بما كان ، والنفس لا تطلب منك إلا الطعام الطيب الحسن الطعم والمنظر ، ولا تبالي حراما كان ذلك أو حلالا ، فإن كانت النفس المغذية للجسم والناظرة في صونه خاض في الشبهات وتورط في المحرمات ، لأنها أمارة بالسوء مطمئنة بالهوى ، فهلكت وأهلكته في الدارين ، وإن كان العقل الشرعي المغذي له تقيد وأخذ الشيء من حلّه ووضعه في حقه ، وترك الشهوة في الطعام وإن كان حلالا رغبة فيما هو خير منه (وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ) إذا كان وقتك النعمة ودخل وقتها بوجودها عندك دعيت إلى شكر المنعم.
(إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (١١٥)
تغير الأحوال يغير الأحكام ، فالشخص الواحد الذي لم يكن حاله الاضطرار أكل الميتة عليه حرام ، فإذا اضطر ذلك الشخص عينه فأكل الميتة له حلال ، فاختلف الحكم لاختلاف الحال والعين واحدة ، ثم قال تعالى في ذم من قال عن الله ما لم يقل.
(وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللهِ