كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى) وتارة يشهدك جمال صمدانيته (ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى) وتارة يطلعك على سرائر ملكوتيته (فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى) وتارة يدنيك من حضرة قربه (فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى) يا محمد هذا أوان الظمآن إليه واللهفان عليه ، والمتحير فيه لا أدري من أي جهة آتية ، جعلني أعظم خلقه فكنت أعظمهم وأشدهم خوفا منه ، يا محمد خلقني يوم خلقني فكنت أرعد من هيبة جلاله ، فكتب على قائمتي (لا إله إلا الله) فازددت لهيبة اسمه ارتعادا وارتعاشا ، فلما كتب عليّ (محمد رسول الله) سكن لذلك قلقي وهدأ روعي ، فكان اسمك أمانا لقلبي وطمأنينة لسري ورقية لقلقي ، فهذه بركة وضع اسمك عليّ ، فكيف إذا وقع جميل نظرك إليّ؟ يا محمد أنت المرسل رحمة للعالمين ولا بد لي من نصيب في هذه الليلة ، ونصيبي من ذلك أن تشهد لي بالبراءة من النار مما نسبه إليّ أهل الزور وتقوّله عليّ أهل الغرور ، فإنه أخطأ فيّ قوم فضلّوا وظنوا أني أسع من لا حد له ، وأحمل من لا هيئة له ، وأحيط بمن لا كيفية له ، يا محمد من لا حد لذاته ولا عد لصفاته ، فكيف يكون مفتقرا إليّ أو محمولا عليّ؟ فإذا كان الرحمن اسمه ، والاستواء صفته ونعته ، وصفته ونعته متصل بذاته ، فكيف يتصل بي أو ينفصل عني ، ولا أنا منه ولا هو مني؟ يا محمد وعزته لست بالقرب منه وصلا ولا بالبعد عنه فصلا ، ولا بالمطيق له حملا ولا بالجامع له شملا ، ولا بالواجد له مثلا ، بل أوجدني من رحمته منة وفضلا ، ولو محقني لكان فضلا منه وعدلا ، يا محمد أنا محمول قدرته ومعمول حكمته ، فكيف يصح أن يكون الحامل محمولا؟ (لا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً) فأجابه لسان حاله صلىاللهعليهوسلم : أيها العرش إليك عني فأنا مشغول عنك فلا تكدر عليّ صفوتي ولا تشوش علي خلوتي ، فما في الوقت سعة لعتابك ولا محل لخطابك ، فما أعاره صلىاللهعليهوسلم طرفا ولا قرأ من مسطور ما أوحى إليه حرفا (ما زاغَ الْبَصَرُ) ثم قدم المركب السادس وهو التأييد ، فنودي من فوقه ولم ير : حافظك قدامك ، ها أنت وربك. قال : فبقيت متحيرا لا أعرف ما أقول ولا أدري ما أفعل ، إذ وقعت على شفتي قطرة أحلى من العسل ، وأبرد من الثلج ، وألين من الزبد ، وأطيب ريحا من المسك ، فصرت بذلك أعلم من جميع الأنبياء والرسل ، فجرى على لساني : التحيات المباركات لله الصلوات الطيبات لله. فأجبت : السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته. فأشركت إخواني الأنبياء فيما