شركاء ، فما عبدت إلا الألوهية في كل من عبد من دون الله ، لأنه ما عبد الحجر لعينه ، وإنما عبد من حيث نسبة الألوهة له ، فإن المشرك ما عبد شيئا إلا بعد ما نسب إليه الألوهة فما عبد إلا الله ، فالألوهية هي المعبودة من كل معبود ، ولكن أخطؤوا النسبة فشقوا شقاوة الأبد ، وغار الحق لهذا الوصف فعاقبهم في الدنيا إذ لم يحترموه ، ورزقهم وسمع دعاءهم ، وأجابهم إذا سألوا إلههم في زعمهم ، لعلمه سبحانه أنهم ما لجؤا إلا لهذه المرتبة وإن أخطؤا في النسبة ، فشقوا في الآخرة شقاء الأبد ، حيث نبههم الرسول على توحيد من تجب له هذه النسبة فلم ينظروا ولا نصحوا نفوسهم ، ولهذا كانت دلالة كل رسول بحسب ما كان الغالب على أهل زمانه ، لتقوم عليهم الحجة ، فتكون لله الحجة البالغة ـ تحقيق ـ قوله تعالى (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) قضاء صحيحا (وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) فإن الآثار لا تكون إلا للألوهة ، وبها ظهرت الآثار عن الأكوان كلها في الأكوان ، ولو لا هذا السريان الدقيق ، والحجاب العجيب الرقيق ، والستر الأخفى ، ما عبدت الألوهية في الملائكة والكواكب والأفلاك والأركان والحيوانات والنباتات والأحجار والأناسي ، إذ الألوهية هي المعبودة من الموجودات ، فأخطؤوا في الإضافة من وجه لا غير ، ولكن كان في ذلك الوجه شقاوة الأبد ، فالمحقق تحقق ذلك الوجه ورفع الخطأ من جهة العقل لا من جهة الحكم ، فإن النظر الإلهي كان تمكنه من هؤلاء المعبودين أكبر من غيرهم ، فربط الآثار بهم فظهرت عندهم ، ليضل من يشاء ويهدي من يشاء ، وربما ارتفعت طائفة عن مدرج نسبة الألوهية لهم مطلقا ولحظت الوجه الخفي فقالت (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) فاتخذوهم حجبة ووزراء نعوذ بالله ، ولكن هي أشبه من الأولى ، ولو رأت هذه الطائفة هذا الوجه من أنفسها ما عبدت الألوهية في كون خارج عنها ، بل كانت تعبد نفسها ، ولكن أيضا لتحققها بها ووقوفها مع عجزها وقصورها وإتلافها لم يتمكن لها ذلك ، ولو لاح لها ما ذكرناه ما اختصت بعبودة الألوهية في كون بعينه ، ومحصول ما قلناه أن الألوهية هي المعبودة على الإطلاق لا الأكوان ، ولهذا قال (وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) وقال (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) وقضاؤه غير مردود ، فمن وقف على هذه الوجوه الإلهية من الأكوان فما يصح عنده أن يعبده كون أصلا ، ومن لم يعرفها ولا يشاهدها تعبده وجه الحق في الكون لا الكون ، وبهذا القدر يعاقب ويطلق عليه اسم الشرك (وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ