من الكون إلا حيا ناطقا جمادا كان أو نباتا أو حيوانا في العالم الأعلى والأسفل ، فكل شيء من عالم الطبيعة جسم متغذ ، فهو حيوان ناطق بين جلي وخفي ، والكل حيوان ناطق مسبح بحمد الله تعالى ، ولما كان الأمر هكذا ، جاز بل وقع وصح أن يخاطب الحق جميع الموجودات ويوحي إليها من سماء وأرض وجبال وشجر وغير ذلك من الموجودات ، ووصفها بالطاعة لما أمرها به والإباية لقبول عرضه ، وأسجد له كل شيء ، لأنه تجلى لكل شيء وأوحى إلى كل شيء بما خاطب ذلك الشيء به ، تقول الجلود يوم القيامة (أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ) فعمّت فكانت الجلود أعلم بالأمر ممن جعل النطق فصلا مقوما للإنسان خاصة ، وعرى غير الإنسان عن مجموع حده من الحيوانية والنطق ، فإن الله تعالى ما قال (وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) إلا في معرض الرد على من يقول إنه تسبيح حال ، فإن العالم كله قد تساوى في الدلالة ، فمن يقول بتسبيح الحال فقد أكذب الله في قوله تعالى (لا تَفْقَهُونَ) ولذلك قال تعالى (إِنَّهُ كانَ حَلِيماً) وأما قوله تعالى (غَفُوراً) حيث ستر عنكم تسبيح هؤلاء فلم تفقهوه ، فكان غفورا أي ساترا نطقهم عن أن تتعلق به الأسماع إلا لمن خرق الله له العادة ، ومن هذه الآية نعلم أن سر الحياة الإلهية سرى في جميع الموجودات فحييت بحياة الحق ، فمنها ما ظهرت حياتها لأبصارنا ومنها ما أخذ الله بأبصارنا عنها في الدنيا ، إلا الأنبياء وبعض أولياء الله فإنه كشف لهم عن حياة كل شيء ، ولسريان هذه الحياة في أعيان الموجودات نطقت كلها مسبحة بالثناء على موجدها ، وهذه الحياة وباقي الصفات نسب وإضافات وشهود حقائق ، فإن الله هو العلي الكبير عن الحلول والمحل ، وعن ذلك نزهته الأشياء في تسبيحها فإن التسبيح تنزيه ، فإن المولدات في عالم العناصر ثلاثة عوالم طبيعية ، ويسري في كل عالم مولد من هذه الثلاثة أرواح ، هي نفوس هذه المولدات ، بها تعلم خالقها ومنشئها ، وبها سرت الحياة فيها كلها ، وبها خاطبها الحق وكلفها ، وهو رسول الحق إليها وداع كل شخص منه إلى ربه ، فما بطنت حياته سمّي جمادا ونباتا ، وانفصل هذان المولدان ، وتميزوا بالنمو والغذاء ، فقيل في النامي منه نبات وفي غير النامي جماد ، وما ظهرت حياته وحسه سمي حيوانا ، والكل قد عمته الحياة ، فنطق بالثناء على خالقه من حيث لا نسمع ، وعلّمهم الله الأمور بالفطرة من حيث لا نعلم ، فلم يبق رطب ولا يابس ولا حار ولا بارد ولا جماد ولا نبات ولا حيوان إلا وهو مسبح لله تعالى بلسان خاص بذلك الجنس ، فكل جسم في