الرسوم فإن التسبيح هنا نسب إلى من لا ينسب إليه قول ولا نطق ، وهو التسبيح الذي لا يفقه ، وما قال لا يسمع ، إذ الكلام أو القول هو الذي من شأنه أن يتعلق به السمع ، والتسبيح لو كان قولا أو كلاما لنفى عنه سمعنا ، وإنما نفى عنه فقهنا وهو العلم ، والعلم قد يكون عن كلام وقول وقد لا يكون ، والتحقيق أن كل ما سوى الله حي ، فإنه ما من شيء إلا يسبح بحمده ، ولا يكون التسبيح إلا من حي عاقل عالم بمسبحه ، فإذا ما ثمّ إلا من يسبح الله بحمده ، ولا يسبحه إلا حي سواء كان ميتا أو غير ميت فإنه حي ، لأن الحياة للأشياء فيض من حياة الحق عليها ، فهي حية في حال ثبوتها ، ولو لا حياتها ما سمعت قوله (كُنْ) بالكلام الذي يليق بجلاله فكانت ، وقوله تعالى (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ) والشيء أنكر النكرات ، وإن كان الله قد أخذ بأسماعنا عن تسبيح الجمادات والنبات والحيوان الذي لا يعقل كما أخذ بأبصارنا عن إدراك حياة الجماد والنبات ، إلا لمن خرق الله له العادة كرسول الله صلىاللهعليهوسلم ومن حضره من أصحابه حين أسمعهم الله تسبيح الحصى ، فما كان خرق العادة في تسبيح الحصى وإنما انخرقت العادة في تعلق أسماعهم به ، روي في الصحيح أن الحصى سبح في كف رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فجعل الناس خرق العادة في تسبيح الحصى ، وأخطؤوا ، وإنما خرق العادة في سمع السامعين ذلك ، فإنه لم يزل مسبحا كما أخبر الله ، فالذي سمع السامع كونه سمع نطق ما لم تجر العادة أن يسمعه ، فقوله تعالى (يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ) تسبيح نطق يليق بذلك الشيء لا تسبيح حال ، ولهذا قال (وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) لاختلاف ما يسبحون به إلا لمن سمعه ، فهذا التسبيح لا يفقه بالنظر العقلي من جهة الفكر والنظر إلا أن يمنّ الله على بعض عباده بعلم ذلك ، فالكل ناطق وتقع العين على ناطق وصامت ، فالمؤمن يدرك ذلك إيمانا وصاحب الكشف يدرك الكيفية ، والكشف منحة من الله يمنحها الله من شاء من عباده ، فكل نطق في الوجود تسبيح وإن انطلق عليه اسم الذم ، وجاء بضمير الجمع في (تَفْقَهُونَ) وما يشير إليه هذا الضمير إنما هم الناس خاصة ، فجميع المخلوقات عبدوا الله إلا بعض الناس ، فالخلق عبد بالذات أثرت فيه العوارض ولا سيما الشخص الإنساني ، بل ما أثرت العوارض إلا في الشخص الإنساني وحده دون سائر الخلق ، وما سواه فعلى أصله من تنزيه خالقه عن الشريك (إِنَّهُ كانَ حَلِيماً) فلم يعجل عليكم بالعقوبة ، وبإمهالكم حيث لم يؤاخذكم سريعا بما رددتم من ذلك وقلتم إنه تسبيح حال ، فإن الله ما خلق شيئا