الموجودات ، لا بل نطق الممكنات قبل وجودها ، فإنها حية ناطقة درّاكة بحياة ثبوتية ونطق ثبوتي ، إذ كانت في أنفسها أشياء ثبوتية ، فلما قبلت الوجود قبلته بجميع نعوتها وصفاتها ـ وليس نعتها سوى عينها ـ فهي في حال شيئية وجودية حية بحياة وجودية ناطقة بنطق وجوديّ درّاكة بإدراك وجودي ، فلو لا أن الله أسرى بسر الحياة في الموجودات ما كانت ناطقة ، ولو لا سريان العلم فيها ما كانت ناطقة بالثناء على الله موجدها ، ولهذا قال (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ) فأتى بلفظ النكرة وما خص شيئا ثابتا من شيء موجود ، لأنها قبلت شيئية الوجود على الحال التي كانت عليها في شيئية الثبوت ، إلا أن الله أخذ بأبصار بعض عباده عن إدراك هذه الحياة السارية والنطق والإدراك الساري في جميع الموجودات ، كما أخذ الله ببصائر أهل العقول والأفكار عن إدراك ما ذكرناه في جميع الموجودات وفي جميع الممكنات ، وأهل الكشف والإيمان على علم مما هو الأمر عليه في هذه الأعيان في حال عدمها ووجودها ، فمن ظهرت حياته سمي حيا ومن بطنت حياته فلم تظهر لكل عين سمي نباتا وجمادا ، فانقسم عند المحجوبين الأمر وعند أهل الكشف والإيمان لم ينقسم ، فأما أصحاب الكشف والشهود أهل الاختصاص فقد أعطاهم الشهود ، وما أعطى المحجوبين شهودهم ، فيقول أهل الشهود : سمعنا ورأينا. ويقول المحجوبون : ما سمعنا ولا رأينا. ويقول أهل الإيمان : آمنا وصدقنا ، قال تعالى : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ) وشيء نكرة وقال (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ) فذكر الجماد والنبات والحيوان الذين وقع فيهم الخلاف بين المحجوبين من أهل العقول والأفكار وبين أهل الشهود والإيمان ، وغير ذلك من الآيات القرآنية ، وقد صح عنه صلىاللهعليهوسلم أنه قال : [يشهد للمؤذن مدى صوته من رطب ويابس] وقال في أحد : [هذا جبل يحبنا ونحبه] وقال : [إني لأعرف حجرا بمكة كان يسلم عليّ قبل أن أبعث] ثم أنه قد صح أن الحصى سبح في كفه ، وصح حنين الجذع إليه ، إلى غير ذلك من الأحاديث الكثيرة ، فكل شيء حي مسبح بحمد الله ولا يسبح إلا من يعقل من يسبحه ، ويثني عليه بما يستحقه ، فالله تعالى يرزقنا الإيمان إذا لم نكن من أهل العيان والكشف والشهود لهذه الأمور ، التي أعمى الله عنها أهل العقول الذين تعبدتهم أفكارهم وغير المؤمنين الذين طمس الله على قلوبهم ، فمن علم أن كل شيء ناطق ناظر إلى ربه لزمه الحياء من كل شيء ، حتى من نفسه