السماء والأرض] وأراد قوله : سبحان الله وبحمده ، فإن الحمد لله تملأ الميزان ، فإنها آخر ما يجعل في الميزان فبها يمتلىء ، فالعارف من سبح الله بما أثنى به على نفسه وما استنبط شيئا ، ولهذا قال تعالى : (وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) فدل على أن كل شيء يسبح إلهه بما تقرر عنده منه مما ليس عند الآخر ، فلو كان تسبيحهم راجعا إلى أمر واحد لم يجهل أحد تسبيح غيره ، وفي ذلك إشارة إلى الذين استنبطوا الثناء عليه تعالى بعقولهم فنسوا قوله تعالى «بحمده» فحجبهم عن ذلك أدلة عقولهم ، إذ ستر الله عنها ذلك بستر أفكارهم فلم يؤاخذهم على ذلك لقوله : (إِنَّهُ كانَ حَلِيماً) فلم يؤاخذ مع القدرة على ما تركتم من الثناء عليه بما أثنى به على نفسه ، ولم يعجل عليكم بالعقوبة فيمن يزعم أنه على وصف كذا خاصة وما هو على وصف كذا ، فكان حليما مع ما في ذلك من سوء الأدب منكم (غَفُوراً) بما ستره عنكم من علم ذلك ممن هو بهذه المثابة ، فوصف نفسه تعالى في آخر هذه الآية بأنه غفور لما ستر به قلوبهم عن العلم به إلا من شاء من عباده ، فإنه أعطاه العلم به على الإجمال ، فإذا أراد العبد نجاة نفسه وتحصيل أسباب سعادته ، فلا يحمد الله إلا بحمده ، كان ما كان ، على علم الله في ذلك من غير تعيين ، فإذا قام فضول بالإنسان واستنبط له ثناء لم يجىء بذلك اللفظ خطاب إلهي فما سبحه بحمده بل بما استنبطه من عنده ، فينقص
عن درجة ما ينبغي ، فقل ما قاله عن نفسه ولا تزد في الرقم وإن كان حسنا تكن من أهل الحق ، فإن الله خلق العالم للتسبيح بحمده لا لأمر آخر ، فالعالم لا يفتر عن التسبيح طرفة عين لأن تسبيحه ذاتي كالنفس للمتنفس ، وهذه الآية إخبار من الحق عن الأشياء أنها تنزه بحمده أي بالثناء عليه ، والتنزيه البعد ، وما ذكر الله أنه أمرهم بتسبيحه ، بل أخبر أنهم يسبحون بحمده ، فاجعل بالك لقول الله في تلاوتك لما يقول ربك عن نفسه وما يقوله العالم عنه ، وفرّق ، ولا تحتج فيه إلا بما قاله عن نفسه لا بما يحكيه من قول العالم فيه ، تكن من أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته ـ نصيحة ـ لما كان المؤمن لا يشك في أن كل شيء مسبح ، وكل مسبح حي عقلا ، فإن أهل الورع يتورعون عن صيد الحيوان كما يفعل الملوك ومن لا حاجة له بذلك ، للفرجة واللهو واللعب ، فقد ورد أن العصفور يأتي يوم القيامة فيقول : يا رب سل هذا لم قتلني عبثا؟ وكذلك من يقطع شجرة لغير منفعة أو ينقل حجرا لغير فائدة تعود على أحد من خلق الله.