وَمَنْ فِيهِنَّ) وما ثم إلا هؤلاء ، ولما كان الأمر بالثناء على الله على ما قررناه لم يتمكن لنا أن نستنبط له ثناء ، فإن كان التسبيح ثناء ، فقد قيد ثناء كل موجود في العالم بقوله تعالى «بحمده» فقيد تسبيح كل شيء بحمده المضاف إليه ، أي الثناء الذي أثنى به على نفسه ، وهو الذي أنزله من عنده ، في كتبه وعلى ألسنة رسله ، على حد ما يعلمه هو لا على حد ما نفهمه ، فإنه تعالى نبّه بقوله (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ) إلا هذا الإنسان فإن بعضه يسبحه بغير حمده ، فنحن نكون في الثناء عليه بما أثنى به على نفسه حاكين تالين ، لأن الثناء على المثنى عليه مجهول الذات ، لا يقبل الحدود والرسوم ، ولا يدخل تحت الكيفية ، ولا يعرف كما هو عليه في نفسه ، وهو الغني عن العالمين ، فلا تدل على المعرفة به الدلالات ، وإنما تدل على استنادنا إليه من حيث لا يشبهنا أو لا يقبل وصفنا ، وما من اسم إلهي إلا ونتصف به ، فما تلك هي المعرفة المقصودة التي يعلم بها نفسه ، فشرع التسبيح وفطر عليه كل شيء ، وهو نفي عن كل وصف لا إثبات ، فالتسبيح تنزيه ونفي لا إثبات ، والثناء على الله بالتسبيح لا تكل به الألسنة ، وهو تسبيح كل ما سوانا ، أي الأنفس الناطقة ، فإنا لا نفقه تسبيحهم إلا إذا أعلمنا به ، فالمحامد لا تقف عند حد ، والمسبّح لا يسبحه إلا بحمده ، بخلاف الثناء بالأسماء ، فإن الألسنة (أي ألسنة الأنفس الناطقة) تكل وتعيا وتقف فيها ، ولهذا قال صلىاللهعليهوسلم خاتما عند الإعياء والحصر [لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك] ، وتتبعنا الكتاب والسنّة في التسبيح إذا سبح به المسبح ـ أعني بلفظه الخاص به الدال عليه ـ فوجدناه أنه لا بد أن يقيد باسم من الأسماء الإلهية الظاهرة أو المضمرة والمضافة والمطلقة ، فطلبنا هذه الأسماء فوجدناها تدور على الله ، والرب المضاف ، والاسم الناقص ، والاسم المضمر كالهاء ، والملك والعلي ، فالله يقول (فَسُبْحانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ) والرب قوله (سُبْحانَ رَبِّكَ) والاسم الناقص (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ) والمضمر قوله (سبحانه وتعالى) والملك مثل الذي ورد في السنة (سبحان الملك القدوس) والعلي كما ورد في السنة (سبحان العلي الأعلى) وقد ورد من غير تقييد في السنة مثل قول (سبوح) وهذا ذكر المذكور ، ونتيجته أعظم النتائج ، لأنه كناية عن عين المسبّح بالتسبيح ، فاسمه هنا عينه ، وهذا أكمل تسبيح العارفين ، لأنه غاب عن الاسم فيه بالمسمّى ، ولما كان التسبيح بحمده قربة به ، فقال في الصحيح عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم : [سبحان الله والحمد لله أنهما يملآن أو يملآ ما بين