واستقل ، قال : هذا أيضا من جملة الأسباب التي يقوم بعضها عن بعض فيما تريده ، فجعله واحدا من الأسباب وهو المشرك.
(أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلاً (٦٨) أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تارَةً أُخْرى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قاصِفاً مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِما كَفَرْتُمْ ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنا بِهِ تَبِيعاً (٦٩) وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً (٧٠) يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً (٧١) وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَأَضَلُّ سَبِيلاً) (٧٢)
(وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ) يعني في الدنيا ، وسماها دنيا لأنها أقرب إلينا من الآخرة (أَعْمى) وهو حال الجهل بالله كما هو في نفس الأمر (فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى) كما هو في الدنيا ، فإن الإنسان إنما يموت على ما عاش عليه ، فإذا كان أعمى في الدنيا ـ والعمى هنا الجهل بالله ـ ويموت على ذلك فيجيء في الآخرة بذلك الجهل ، فهو ما عاش إلا حائرا ، فإذا وقع الكشف هناك زاد حيرة ، وهو قوله تعالى (وَأَضَلُّ سَبِيلاً) أي أشد عمى ، فهو أضل من كونه في الدنيا ، فإنه كان يترجى في الدنيا لو كشف له أن تزول عنه الحيرة ، والسبيل هو الطريق ، وليس إلا الفكر فيما منع التفكر فيه (وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ) الدنيا (أَعْمى) عن إدراك أنوار ما جاءت به الشرائع من الحق (فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى) كذلك هم في النار عمي عن إدراك أنوار السيارة وغيرها من الكواكب (وَأَضَلُّ سَبِيلاً) وإنما كان أضل سبيلا ، فإنه كان في الدنيا يجد من يرشده إلى الطريق ولكن لا يسمع ، وفي النار ما يجد من يرشده إلى الطريق ، فإنه ما ثمّ طريق ، لكن يجد من يندّمه على ما فاته ليزيده حسرة إلى حسرته ، فكما تكون