أجل العلم الذي أعطاه التجلي الإلهي لقلوبهم ، وهذا لا يكون لأحد من الأولياء إلا لمن سجد قلبه ، فإن الشيطان لا يعتزل عن الإنسان إلا في حال سجوده في الظاهر والباطن ، فإن لم يسجد قلب الولي فليس بمحفوظ (وَكَفى بِرَبِّكَ وَكِيلاً) فيحفظ الله أولياءه من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ، إذ لا دخول للشيطان على بني آدم إلا من هذه الجهات ، والأديب من عباد الله خلّاق في هذه الدار بالعمل ببسم الله الرحمن الرحيم ، ليسلم عمله من مشاركة الشيطان ، حيث أمره الله بالمشاركة في الأموال والأولاد ، فهو ممتثل هذا الأمر حريص عليه ، ونحن مأمورون باتقائه في هذه المشاركة ، فطلبنا ما نتقيه به لكونه غيبا عنا لا نراه ، فأعطانا الله اسمه ، فلما سمينا الله على أعمالنا عند الشروع فيها توحدنا بها ، وعصمنا من مشاركة الشيطان ، فإن الاسم الإلهي هو الذي يباشره ويحول بيننا وبينه ، وإن بعض أهل الكشف ليشهدون هذه المدافعة التي بين الاسم الإلهي من العبد في حال الشروع وبين الشيطان ، وإذا كان العبد بهذه الصفة كان على بينة من ربه وفاز ونجا من هذه المشاركة ، وكان له البقاء في الحفظ والعصمة في جميع أعماله وأحواله.
(رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ كانَ بِكُمْ رَحِيماً (٦٦) وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكانَ الْإِنْسانُ كَفُوراً) (٦٧)
(وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ) نبه بذلك على موضع انقطاع الأسباب (ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ) يعني الأسباب ، ضل منكم وتلف ، فلم تجدوه ، وما وجدتم عند فقده إلا الله ، فحيث تفنى الأسباب هناك يوجد الله ، فقال (إِلَّا إِيَّاهُ) فتدعونه في دفع الشدائد ، فكان هو السبب الذي ينجي في أوقات الضرورات المهلكة ، التي يقطعون فيها أن آلهتهم لا تغني عنهم فيها شيئا ، فيلجؤون إلى الله في رفعها ، فإن الإنسان بحكم الطبع يجري إذا مسه الضر إلى طلب من يزيله عنه وليس إلا الله ، فما من شيء إلا ويرجع في ضرورته إذا انقطعت به الأسباب إليه (فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكانَ الْإِنْسانُ كَفُوراً) فلما نجاه الله وأغاثه