ولم يكن ظهر له على الملائكة ما ظهر لآدم عليهالسلام من اختصاصه بعلم الأسماء كلها ، فإذا كان في ذلك اليوم افتقر إليه الجميع من الملائكة والناس من آدم فمن دونه في فتح باب الشفاعة ، وإظهار ما له من الجاه عند الله ، إذ كان القهر الإلهي والجبروت الأعظم قد أخرس الجميع ، وكان هذا المقام مثل مقام آدم عليهالسلام وأعظم ، في يوم اشتدت الحاجة فيه ، مع ما ذكر من الغضب الإلهي الذي تجلى فيه الحق في ذلك اليوم ، ولم تظهر مثل هذه الصفة فيما جرى في قصة آدم ، فدل بالمجموع على عظيم قدره صلىاللهعليهوسلم حيث أقدم مع هذه الصفة الغضبية الإلهية على مناجاة الحق فيما سأل فيه ، فأجابه الحق ، كما جاء في حديث عثمان بن عفان في الصحيح لمسلم بن الحجاج ، وقد أقيم آدم عليهالسلام في هذا المقام لما سجدت له الملائكة في الدنيا ، وهو لمحمد صلىاللهعليهوسلم في الآخرة ، وإنما ظهر به أولا أبو البشر لكونه كان يتضمن جسده بشرية محمد صلىاللهعليهوسلم ، فكانت العاقبة لمحمد صلىاللهعليهوسلم في الدار الآخرة ، فظهر في المقام المحمود ، ومنه يفتح باب الشفاعات ، فكان لآدم السجود ، ولمحمد المقام المحمود ، بمحضر الشهود ، وأين المقام المحمود من مقام السجود؟ سجد المقربون والأبرار ، لبناء قائم من التراب والأحجار ، فالمجد الطريف والتليد ، فيمن اختص بالمقام الحميد.
(وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً) (٨٠)
أمر الحق نبيه صلىاللهعليهوسلم بأن يدعوه بهذا الدعاء المعيّن ، وهو قوله له (وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ) يعني المقام المحمود ، فإنه موقف خاص بمحمد صلىاللهعليهوسلم ، (وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ) أي إذا انتقل عنه إلى غيره من المقامات والمواقف أن تكون العناية به معه في خروجه منه كما كانت معه في دخوله إليه ـ نصيحة ـ الزم الصدق والإخلاص ، فبالصدق تعتصم ولا يؤثر فيك شيء ، وبالإخلاص تصح عبوديتك وربوبيته. (وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً) من أجل المنازعين فيه ، فإن المقام الشريف لا يزال صاحبه محسودا ، فطلب صاحب هذا المقام النصرة بالحجة ـ التي هي السلطان ـ على الجاحدين شرف هذه المرتبة ، وهم القادحون في هذا المقام تعظيما لحالهم التي هم عليها حتى لا ينسب النقص إليهم ، عن هذا