الكلي كالقلم واليمين الكاتبة ، والأرواح كالمداد في القلم ، والصور كمنازل الحروف في اللوح ، فنفخ الروح في صور العالم ، فظهرت الأرواح متميزة بصورها ، فقيل هذا زيد ، وهذا عمرو ، وهذا فرس ، وهذا فيل ، وهذه حية ، وكل ذي روح ، وما ثمّ إلا ذو روح لكنه مدرك وغير مدرك ، فمن الناس من قال : إن الأرواح في أصل وجودها متولدة من مزاج الصورة ، ومن الناس من منع من ذلك ، والطريقة الوسطى ما ذهبنا إليه ، فإذا سوى الله الصورة الجسمية ، ففي أي صورة شاء من الصور الروحية ركبها ، فتنسب إليها ، وهي معينة عند الله ، فامتازت الأرواح بصورها ، فإن الله لمّا سوى جسم العالم ، وهو الجسم الكل الصوري في جوهر الهباء المعقول ، قبل فيض الروح الإلهي الذي لم يزل منتشرا غير معيّن ، إذ لم يكن ثم من يعينه ، فحيي جسم العالم به فكما تضمن جسم العالم أجسام شخصياته ، كذلك تضمن روحه أرواح شخصياته (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ) ومن هنا قال من قال : إن الروح واحد العين في أشخاص نوع الإنسان ، وإن روح زيد هو روح عمرو وسائر أشخاص هذا النوع ، ولكن ما حقق صاحب هذا الأمر صورة هذا الأمر فيه ، فإنه كما لم تكن صورة جسم آدم جسم كل شخص من ذريته ، وإن كان هو الأصل الذي منه ظهرنا وتولدنا ، كذلك الروح المدبرة لجسم العالم بأسره ، كما أنك لو قدرت الأرض مستوية لا ترى فيها عوجا ولا أمتا ، وانتشرت الشمس عليها أشرقت بنورها ، ولم يتميز النور بعضه عن بعضه ، ولا حكم عليه بالتجزي ولا بالقسمة ، فلما ظهرت البلاد والديار على الأرض ، وبدت ظلالات هذه الأشخاص القائمة ، انقسم النور الشمسي وتميز بعضه عن بعضه ، لما طرأ من هذه الصور في الأرض ، فإذا اعتبرت هذا علمت أن النور الذي يخص هذا المنزل ليس النور الذي يخص المنزل الآخر ولا المنازل الأخر ، وإذا اعتبرت التي ظهر منها هذا النور وهو عينها من حيث انفهاقه عنها ، قلت : الأرواح روح واحدة ، وإنما اختلفت بالمحال الشمس ، كالأنوار نور عين واحدة غير أن حكم الاختلاف في القوابل مختلف لاختلاف أمزجتها وصور أشكالها ، ويمكن أن يشبه بالماء في النهر لا يتميز فيه صورة ، بل هو عين الماء لا غير ، فإذا حصل ما حصل منه في الأواني تعين عند ذلك ماء الجب من ماء الجرة من ماء الكوز ، وظهر فيه شكل إنائه ولون إنائه ، فحكمت عليه الأواني بالتجزي والأشكال ، مع علمك أن عين ما لم يظهر فيه شكل إذا