ربه ، حتى يعلم أنه هو لكونه عبدا ، وأن الحق هو الحق لكونه ربا له ، فجاء لنفسه بأنه شهيد ، وفي الحق بأنه رقيب ، وقدمهم في حق نفسه فقال : (عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ) إيثارا لهم في التقدم وأدبا ، وأخّرهم في جانب الحق عن الحق في قوله : (الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ) لما يستحقه الرب من التقديم بالرتبة. ثم اعلم أن للحق الرقيب الاسم الذي جعله عيسى لنفسه وهو الشهيد في قوله : (عَلَيْهِمْ شَهِيداً) فقال : (وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) فجاء بكل» للعموم وبشيء» لكونه أنكر النكرات ، وجاء بالاسم الشهيد ، فهو الشهيد على كل مشهود ، بحسب ما تقتضيه حقيقة ذلك المشهود ، فنبه على أنه تعالى هو الشهيد على قوم عيسى حين قال : (وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ) فهي شهادة الحق في مادة عيسوية ، كما ثبت أنه لسانه وسمعه وبصره ، ثم قال كلمة عيسوية ومحمدية ، أما كونها عيسوية فإنها قول عيسى بإخبار الله عنه في كتابه ، وأما كونها محمدية فلوقعها من محمد صلىاللهعليهوسلم بالمكان الذي وقعت منه ، فقام بها ليلة كاملة يرددها لم يعدل إلى غيرها حتى مطلع الفجر (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) و«هم» ضمير الغائب كما أن «هو» ضمير الغائب ، فقال : (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ) بضمير الغائب وهو عين الحجاب الذي هم فيه من الحق ، فذكرهم الله قبل حضورهم حتى إذا حضروا تكون الخميرة قد تحكمت في العجين فصيرته مثلها ، (فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ) فأفرد الخطاب للتوحيد الذي كانوا عليه ، ولا ذلّة أعظم من ذلة العبيد لأنهم لا تصرف لهم في أنفسهم ، فهم بحكم ما يريده بهم سيدهم ، ولا شريك له فيهم ، فإنه قال : (عِبادُكَ) فأفرد ، والمراد بالعذاب إذلالهم ولا أذل مما هم فيه من كونهم عبيدا (وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ) أي تسترهم عن إيقاع العذاب الذي يستحقونه بمخالفتهم أي تجعل لهم غفرا يسترهم عن ذلك ويمنعهم منه ، (فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ) أي المنيع الحمى ، وجاء بالفصل والعماد أيضا تأكيدا للبيان ، ولتكون الآية على مساق واحد في قوله : (إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ) وقوله (كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ) فجاء أيضا (فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) فكان سؤلا من النبي عليهالسلام ، وإلحاحا منه على ربه في المسألة ليلته الكاملة إلى طلوع الفجر ، يرددها طلبا للإجابة ، فلو سمع الإجابة في أول سؤال ما كرر ، فكان الحق يعرض عليه فصول ما استوجبوا به العذاب عرضا مفصلا ، فيقول له في عرض عرض ، وعين عين (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ