وكان مؤثرا فيه ، بخلاف الفاعل فإنه يفعل بالاختيار إن شاء فعل فيسمى فاعلا ، وإن شاء ترك ، وليس ذلك للمنفعل. ولهذه الحقيقة ذكر تعالى (وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ) فذكر المنفعل ولم يذكر ولا حار ولا بارد لما كانت الرطوبة واليبوسة عند العلماء بالطبيعة تطلب الحرارة والبرودة اللتين هما منفعلتان عنهما ، كما تطلب الصنعة الصانع ، لذلك ذكرهما دون الأصل ، وإن كان الكل في (كِتابٍ مُبِينٍ) فهذه الآية من فصاحة القرآن وإعجازه حيث علم أن الذي أتى به ـ وهو محمد صلىاللهعليهوسلم ـ لم يكن ممن اشتغل بالعلوم الطبيعية فيعرف هذا القدر ، فعلم قطعا أن ذلك ليس من جهته ، وأنه تنزيل من حكيم حميد ، وأن القائل بهذا عالم ، وهو الله تعالى. فعلم النبي صلىاللهعليهوسلم كل شيء بتعليم الله إياه وإعلامه ، لا بفكره ونظره وبحثه.
(وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٦٠) وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ) (٦١)
(وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ) لما صدر منهم من النزاع ، فمن أراد أن يزول عنه حكم القهر فليصحب الله بلا غرض ولا تشوف ، بل ينظر كل ما وقع في العالم وفي نفسه يجعله كالمراد له ، فيلتذ به ويتلقاه بالقبول والبشر والرضى ، فلا يزال من هذه حاله مقيما في النعيم الدائم ، لا يتصف بالذلة ، ولا بأنه مقهور ، فتدركه الآلام لذلك ، وعزيز صاحب هذا المقام ، وما رأيت له ذائقا ، لأنه يجهل الطريق إليه فإن الإنسان لا يخلو نفسا واحدا عن طلب يقوم به لأمر ما. (وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً) وهو التوكيل أعني هذا الإرسال في حق قوم وحفظا وعصمة في حق آخرين ، فدخل تحت قوله تعالى : (وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً) فنكر ، فدخل حفظة الوجود وحفظة الأفعال ، ففي حفظ الوجود اجتماع الموحدين والمشركين في الحفظ الإلهي ، وذلك من باب الاعتناء بالخلق وإن جهلوا.