اقْتَدِهْ) لا بهم ، وهداهم ليس سوى شرع الله ، فكان الشارع لنا الله الذي شرع لهم ، فلو أخذ عنهم لكان تابعا (فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ) فيما ذكرناه ، لا في فروع الأحكام ، وإن ظهر في شرعنا من فروع شرع من قبلنا ، فمن حيث هو شرع لنا ، وقد يقع الاتفاق في بعض الأحكام ، كالتوحيد والإيمان بالآخرة وما فيها ، لا ينكر ذلك ـ الوجه الثالث ـ اعلم أن كل شرع بعث به نبي من الأنبياء فهو من شرع محمد صلىاللهعليهوسلم من اسمه الباطن ، إذ كان نبيا وآدم بين الماء والطين ، فقوله تعالى له : (أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ) وما قال بهم ، إذ كان هداهم هداك الذي سرى إليهم ، فمعناه من حيث العلم إذا اهتديت بهديهم فهو اهتداؤك بهديك ، لأن الأولية لك باطنا ، والآخرية لك ظاهرا ، والأولية لك في الآخرية ظاهرا وباطنا ، وعلمنا من ذلك أن محمدا صلىاللهعليهوسلم مساو لجميع من ذكره من الأنبياء ومن لم يذكره ، فإنه لكل نبي هدى كما ذكر (لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً) فهو سبحانه نصب الشرائع ، وأوضح المناهج ، وجمع ذلك كله في محمد صلىاللهعليهوسلم ، فمن رآه فقد رأى جميع المقربين ، ومن اهتدى بهديه فقد اهتدى بهدي جميع النبيين. ومن ذلك أن ما قرره النبي صلىاللهعليهوسلم لنا مما كان شرعا للأنبياء عليهمالسلام فعلمناه على القطع فهو شرع لنا ، ومن هذه الآية علمنا أنه صلىاللهعليهوسلم خص بعلم الشرائع كلها ، فأبان الله تعالى له عن شرائع المتقدمين ، وأمره أن يهتدي بهداهم ، وخص بشرع لم يكن لغيره.
(وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قالُوا ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى نُوراً وَهُدىً لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ تُبْدُونَها وَتُخْفُونَ كَثِيراً وَعُلِّمْتُمْ ما لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آباؤُكُمْ قُلِ اللهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ) (٩١)
قالت اليهود : إن الله فرغ من الخلق في يوم العروبة ، واستراح يوم السبت واستلقى على ظهره ، ووضع إحدى رجليه على الأخرى ، وقال : «أنا الملك». قال الله تعالى في مقابلة هذا الكلام وأمثاله : (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ) وتزعم اليهود أن هذا مما نزل في