.................................................................................................
__________________
«الأصل» بناء على تسليم كون اللغوي من أهل الخبرة بالأوضاع لا بمجرد موارد الاستعمال ، كما هو غير بعيد بالنسبة إلى أئمة اللغة الّذين كان دأبهم استكشاف معاني الألفاظ من تتبع موارد الاستعمال واستعلامها من محاورات أهل البوادي والقرى بلا إعمال نظر من أنفسهم حتى يكون إخبارهم حدسيّا.
وأمّا الاستشهاد بما في لسان العرب والمجمع فلم يظهر صراحة كلاميهما في أنّ المراد بالأصل هو المعنى المتعارف في الأيام السالفة ـ لا المعنى الحقيقي اللغوي ـ قال في اللسان : «قال ابن الأثير : المال في الأصل : ما يملك من الذهب والفضة ، ثم أطلق على كل ما يقتني ويملك من الأعيان ، وأكثر ما يطلق المال عند العرب على الإبل ، لأنها كانت أكثر أموالهم» (١). إذ المذكور في هذه العبارة معان ثلاثة للمال ، أحدها الذهب والفضة ، ثانيها كل عين متمولة. ثالثها الإبل. وحيث إن إطلاق المال على الأخيرين حدث في عصر متأخر بمقتضى قوله : «ثم أطلق» كان مقصوده من الأصل هو المعنى الحقيقي الموضوع له اللفظ أوّلا ، ثم نقل الى وضع تعيني ثانيا وهو مطلق الأعيان المتموّلة.
وعلى هذا فلا يبعد أن يراد بالأصل في كلام المصباح واللسان معنى واحد ، وهو الموضوع له ، والنكتة في تصدير الكلام بالأصل هو التنبيه على أنّ الموضوع له أوّلا مغاير لما يستعمل فيه اللفظ في عهد متأخر ، وأنّ هذا المعنى الحادث إمّا مجاز بعلاقة السببية والمسببية كما في استعمال البيع في العقد ، وإمّا حقيقي أيضا من باب النقل أو الاشتراك كما في إطلاق المال على كل عين متمولة. فلو لم يكن للفظ معان متعددة لم يكن وجه لتصدير المعنى بالأصل ، كما لم نظفر بذلك في موارد وحدة المعنى. نعم عبارة المصباح لا تخلو من مسامحة سيأتي بيانها ان شاء الله تعالى.
__________________
(١) لسان العرب ، ج ١١ ، ص ٦٣٦.