.................................................................................................
__________________
بالصدق والكذب ، لأنّ إظهار ما في النفس إخبار وحكاية عن الشيء الموجود فيها من صفة أو اعتبار كالوجوب ، فإن كان هذا الإظهار ـ الذي يكون إخبارا وحكاية عن وجود صفة أو اعتبار في النفس ـ مطابقا للواقع ، بأن كان المبرز موجودا في النفس كان الإبراز متصفا بالصدق ، وإلّا فهو موصوف بالكذب.
وإن قلنا : إنّ الإنشاء هو الإيجاد بأن يكون اللفظ موجدا لما لم يكن موجودا قبل الإنشاء لم يتصور الاتصاف بالصدق والكذب ، إذ ليس للنسبة الكلامية خارج تطابقه أو لا تطابقه ، لوضوح أنّه ليس شيء موجودا قبل الإنشاء كي يكون الإنشاء حاكيا عنه ومبرزا له ، حتى ينتزع الصدق عن مطابقة الحاكي للمحكي عنه ، والكذب عن عدم المطابقة له. بل يوجد شيء بنفس هذا اللفظ ، فلا يكون اللفظ مبرزا ومخبرا عن شيء موجود ، بل هو علّة لوجود شيء ، فلا إبراز ولا حكاية أصلا.
خامسها : أنّ الإنشائية والإخبارية من صفات اللفظ ، فيقال : الكلام إمّا خبر وإمّا إنشاء. قال في تهذيب المنطق بعد تقسيم دلالة اللفظ إلى المطابقة والتضمن والالتزام : «والموضوع ـ يعني اللفظ الموضوع ـ إن قصد بجزء منه الدلالة على جزء المعنى فمركّب إمّا تام خبر أو إنشاء .. إلخ» ونحو ذلك ما في سائر الكتب الأدبية.
فلو لم يكن اللفظ موجدا للمعنى في باب الإنشاء ـ بل كان مبرزا للاعتبار الذي اعتبرته النفس ـ لم يصح توصيفه بالإنشاء. كما أنّه إذا لم يكن حاكيا عن النسبة لم يصح توصيفه بالإخبار ، لأنّ هذين الوصفين حينئذ ثابتان للمدلول ، فيكون الوصف باعتبار المتعلق.
إذا عرفت هذه الأمور تعرف أنّ الإنشاء عبارة عن إيجاد المعنى المقصود ـ وإخراجه عن العدم الى الوجود ـ باللفظ إيجادا اعتباريا ، مضافا إلى إيجاده اللفظي الموجود في استعمال كلّ لفظ في معناه. كما أنّ الإخبار عبارة عن حكاية كلام عن مبدء فارغا عن ثبوته أو عدمه. وهذا يلازم نسبة خارجية تطابقها النسبة الكلامية أو تخالفها.
بخلاف الإنشاء ، فإنّ إيجاد النسبة ملازم لعدم نسبة خارجية ، فإنّ وجود النسبة الخارجية شأن الحكاية المقوّمة للإخبار. وبعد اتصاف الكلام بالإخباريّة والإنشائيّة ـ إذا انضمّ إليهما جهة الجدّ بالإنشاء والحكاية ـ يتصف الإنشاء بالموجديّة ، والخبر بالمبرزيّة للواقع ،